الذكاء الاصطناعي العام يثير انقسامًا عالميًا بين الترقب والخوف

يتصاعد الجدل عالميًا حول احتمالية الوصول إلى ما يُعرف بـ"الذكاء الاصطناعي العام (AGI)"، وهو النوع من الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه أداء أي مهمة معرفية يستطيع الإنسان إنجازها، ومع التطورات المتسارعة في هذا المجال، وتزايد الاستثمارات التي تضخها الشركات الكبرى، يبرز الانقسام الحاد بين المتفائلين بقدرات الذكاء الاصطناعي، والقلقين من مخاطره الوجودية المحتملة على البشرية.

مخاوف حقيقية

شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا هائلًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث ضخت شركات عملاقة مثل مايكروسوفت وألفابت وأمازون عشرات المليارات من الدولارات لدعم شركات ناشئة ومختبرات بحثية تسعى لقيادة هذا التحول التقني، وفي قلب هذا المشهد تبرز شركة OpenAI كمحرك رئيسي لهذا التطور، بعد أن أحدثت طفرة بإطلاق روبوتات محادثة قادرة على التفاعل، والكتابة، والتعلم بأسلوب شبه بشري.

لكن في مقابل هذا التقدم، تتزايد التحذيرات من السيناريوهات الكارثية التي قد ترافق ظهور الذكاء الاصطناعي العام، إذ أشار تقرير صدر مؤخرًا إلى وجود احتمالية حقيقية لأن تتسبب هذه الأنظمة في تهديد وجودي للبشرية، مع غياب ضمانات كافية لضبط تطورها في اتجاه آمن، ويأتي ذلك في ظل افتقار المجتمع الدولي لاتفاق موحّد أو إطار قانوني قادر على احتواء هذه التقنية.

مواقف متباينة

يرى الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سام ألتمان، أن الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام لن يكون بحد ذاته نقطة الانفجار، متوقعًا أن يحدث ذلك خلال خمس سنوات دون تغييرات درامية على الواقع الاجتماعي، في حين عبّر الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، ساندار بيتشاي، عن قلقه من المخاطر الكامنة، مؤكدًا أن احتمالات الفناء منخفضة نظريًا، لكنها تبقى موجودة، وهو ما يستدعي تنسيقًا عالميًا لتجنب الأسوأ.

في المقابل، يرى آخرون مثل إيلون ماسك وإيليا سوتسكيفر أن على الشركات تطوير ذكاء اصطناعي مفتوح يقي من انفراد جهة واحدة بالقوة الكاملة، ويُعتقد أن تأسيس OpenAI جاء كرد مباشر على توجهات ديميس هاسابيس، رئيس شركة DeepMind، الذي كان يهدف للوصول إلى AGI من خلال استغلال موارد جوجل، ثم محاولة تقنين مخاطره لاحقًا، وهي مقاربة وصفها البعض بأنها مغامرة غير محسوبة.

تحديات أخلاقية

كشف الباحث السابق في OpenAI، دانييل كوكوتايلو، عن تفاصيل مثيرة تتعلق ببدايات الشركة، مشيرًا إلى صراع مبكر بين مؤسسيها وشركة DeepMind حول سرعة التقدم والرقابة على التطوير، وأوضح أن المخاوف من ترك الذكاء الاصطناعي دون توجيه أخلاقي كانت أحد المحفزات لتأسيس OpenAI كجهة "مضادة" للمسارات التجارية البحتة، وهي رؤية تعكس تعقيد النقاش القائم بين التقنية، والمجتمع، والمسؤولية الأخلاقية.

وفي الوقت الذي تتسارع فيه الأبحاث ويشتد السباق نحو إطلاق أول نموذج AGI فعلي، يظل الخطر الأكبر هو غياب الإجماع حول كيفية إدارة هذه التكنولوجيا، إذ تختلف الرؤى بين من يرى فيها أداة لتحسين حياة البشر، ومن يحذّر من أنها قد تتحوّل إلى تهديد غير قابل للاحتواء، خاصة إذا تطورت قدراتها خارج النطاق المتوقع، أو إذا تم استخدامها لأغراض تدميرية سواء من قبل دول أو كيانات منفلتة.

ويزداد القلق مع تصاعد الأصوات المطالبة بوقف مؤقت لتطوير نماذج الذكاء المتقدمة، وإطلاق مبادرات رقابة مستقلة تشرف على مراحل التطوير والتجريب، قبل أن تجد البشرية نفسها أمام واقع لا يمكن التراجع عنه، وتؤكد هذه الدعوات أن الذكاء الاصطناعي العام لم يعد احتمالًا نظريًا، بل مسارًا قريبًا يتطلب الاستعداد الفعلي له.