الأربعاء، 06 أغسطس 2025

04:28 م

tru

مارك زوكربيرج يراهن على الذكاء الفائق رغم شكوك العلماء والمخاطر

مارك زوكربيرج

مارك زوكربيرج

ياسين عبد العزيز

A A

تسير شركة ميتا بخطى واثقة نحو مشروع طموح يهدف إلى تطوير نوع جديد من الذكاء الاصطناعي يسمى "الذكاء الفائق الشخصي"، في مسعى يرى فيه مؤسسها مارك زوكربيرج فرصة لإعادة رسم ملامح مستقبل الشركة داخل مضمار تنافسي متسارع تشتد فيه حدة السباق العالمي نحو هيمنة الذكاء الاصطناعي، رغم ما يحيط بهذه المغامرة من تحديات علمية وتنظيمية وحتى أخلاقية، قد تجعل الرهان محفوفًا بعدد من المخاطر الوجودية على حد تعبير بعض الخبراء.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، فإن زوكربيرج لا يوفّر أي جهد في سبيل جذب أفضل العقول إلى مختبره السري الجديد، المكرّس لهذا المشروع الثوري، حيث تشير المعطيات إلى أن ميتا عرضت حوافز مالية ضخمة وتسهيلات غير مسبوقة لاستقطاب نخبة علماء الذكاء الاصطناعي، ونجحت بالفعل في توظيف ما يقارب 50 باحثًا، من بينهم أسماء مرموقة سبق لها العمل على تطوير نماذج بارزة مثل ChatGPT، وهو ما يعكس طموح زوكربيرج في قيادة موجة الذكاء الاصطناعي القادمة لا مجرد اللحاق بها.

استقطاب نخبة

وكان من أبرز الأسماء المنضمة للمختبر الجديد الصيني "شينغجيا جاو"، أحد أبرز العقول وراء إطلاق ChatGPT في OpenAI، والذي من المقرر أن يقود فريق الأبحاث تحت إشراف "ألكسندر وانغ"، أحد عباقرة الرياضيات ومؤسس شركة "Scale AI" التي استحوذت عليها ميتا مؤخرًا، في خطوة تعزز قدراتها التقنية وتزيد من عمق خبراتها داخل هذا المضمار المعقد. 

وتفيد بعض التقارير بأن ميتا قدمت مكافآت انضمام بملايين الدولارات لكبار المتخصصين في محاولة لحسم معركة الكفاءات لصالحها.

مارك زوكربيرج

عقبات أخلاقية

لكن على الرغم من هذا الزخم في التوظيف والتمويل، لم تكن كل الأبواب مفتوحة أمام زوكربيرج، فقد رفض عدد من العلماء البارزين عروض الشركة، مفضلين البقاء مع شركات منافسة، إما بدوافع أخلاقية تتعلق بمآلات استخدام الذكاء الاصطناعي، أو ولاءً لفرقهم البحثية الأصلية، أو حتى لرغبتهم في الحفاظ على حصصهم في شركاتهم الناشئة التي تنمو بثقة في السوق. 

هذا التحدي في الإقناع لا يعكس فقط صعوبة جذب العقول، بل يكشف كذلك عن فجوة قيمية تتسع بين بعض الباحثين والنهج التجاري البحت الذي تتبناه ميتا.

صدام النخبة

وتلوح في الأفق أيضًا تحديات تنظيمية داخل فرق العمل نفسها، إذ يحذر بعض المختصين من ظاهرة تُعرف بـ"تأثير فائض المواهب"، أي أن وجود عدد مفرط من النجوم داخل فريق واحد قد لا يؤدي بالضرورة إلى تحقيق أداء أفضل، بل قد يولد توترًا داخليًا ونزاعات شخصية تقلل من فعالية التعاون الجماعي، وهو ما بدأ يظهر بالفعل في شكل مخاوف لدى بعض موظفي ميتا الحاليين من تهميشهم لصالح الوافدين الجدد ذوي الرواتب المرتفعة والمكانة الأكاديمية الرفيعة.

وتشير دراسة أجرتها كلية هارفارد للأعمال إلى أن الفرق التي تضم نسبة مرتفعة من الأفراد ذوي الإنجازات العالية قد تُنتج تقييمات أقل دقة وأداء أضعف، مقارنة بفرق تتنوع فيها المستويات وتتكامل الأدوار. 

كما أن النجوم الفرديين غالبًا ما يواجهون صعوبات في التأقلم مع بيئات جديدة تختلف في ثقافتها أو طريقة عملها، وهو ما عبّر عنه أحد خبراء التوظيف بوصف العملية بـ"زراعة عضو"، في إشارة إلى أن الجسم الجديد قد يرفض العضو المزروع مهما كانت كفاءته.

قيادة الفريق

ويبقى أحد أبرز التحديات في مشروع ميتا هو إيجاد قيادة فعالة قادرة على إدارة هذا العدد الهائل من المواهب الفذة، فحتى في عالم الرياضة، لطالما كانت إدارة الفرق الممتلئة بالنجوم مهمة شائكة تتطلب مهارات استثنائية. 

وتشير الخبرات السابقة إلى أن غياب قيادة محنكة قد يقود إلى تآكل التماسك الداخلي، ويبدد الجهود الفردية داخل صراع غير معلن على المكانة أو الاعتراف. 

وعلى الرغم من أن حلم زوكربيرج يتمثل في الوصول إلى أنظمة ذكاء قادرة على قيادة نفسها بنفسها، فإن المرحلة الحالية تفرض ضرورة تعيين مديرين ذوي كفاءة عالية لضمان الاستفادة القصوى من الموارد البشرية التي باتت بحوزته.

ومع تصاعد وتيرة السباق العالمي نحو تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تطورًا، لا يبدو أن طموح ميتا سينحسر قريبًا، إلا أن الطريق نحو الذكاء الفائق محفوف بتحديات ليست مالية فقط، بل تمتد لتشمل التنظيم، والقيادة، والأخلاقيات، وهي كلها عناصر ستحدد في النهاية ما إذا كانت رهانات زوكربيرج ستثمر عن ثورة تكنولوجية جديدة، أم أنها ستنضم إلى قائمة المشاريع الطموحة التي لم تكتمل.

search

أكثر الكلمات انتشاراً