مدن المستقبل في الصين تجذب ملايين السياح بتجارب تكنولوجية فريدة

تشهد الصين طفرة استثنائية في مجال ما يُعرف بـ “السياحة التكنولوجية”، حيث تحولت مدنها الكبرى إلى وجهات سياحية مبتكرة تستقطب الزوار ليس فقط لاكتشاف الثقافة والتاريخ، بل أيضًا لخوض تجارب رقمية متطورة تعكس ملامح مدن المستقبل. 

ومن بكين إلى شنجهاي وشنتشن، أصبح بإمكان السائح أن يعيش رحلة مختلفة تمامًا، تبدأ من الدفع عبر بصمة اليد وتنتهي بركوب سيارات أجرة ذاتية القيادة، في مشهد أقرب إلى عوالم الخيال العلمي.

تجارب رقمية

انطلقت هذه الموجة بالتزامن مع قرارات بكين منذ عام 2023 التي سمحت لمواطني عشرات الدول بدخول البلاد لمدة تصل إلى عشرة أيام دون تأشيرة، ما جعل التجربة السياحية أكثر سهولة وجاذبية. 

ومع انتشار المحتوى الرقمي المتعلق بالسفر إلى الصين عبر منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا تطبيق “تيك توك”، تضاعف الاهتمام العالمي، إذ تجاوز وسم chinatravel أكثر من 215 ألف فيديو، ثلاثة أرباعها نُشر خلال عام واحد فقط، مما رسّخ صورة الصين كوجهة سياحية تكنولوجية رائدة.

في مدن مثل تشونجتشينج، وصف السياح المشهد بأنه أقرب إلى أفلام الخيال العلمي، حيث تتدلى قطارات المترو المعلقة بين الأبراج وتضيء الواجهات العملاقة بتصميمات تعكس طابع “عاصمة السايبر بانك” الصينية. 

أما شنجهاي وشنتشن، فقد استقبلتا ملايين الزوار خلال النصف الأول من عام 2025، إذ سجلت الأولى 3.1 مليون سائح أجنبي بزيادة فاقت 53%، بينما جذبت الثانية نحو مليون زائر في أغسطس وحده، وهو رقم يعكس حجم الزخم السياحي المرتبط بالتكنولوجيا.

سياحة مبتكرة

ولم يعد الطلب على التجارب التكنولوجية مقتصرًا على السياح المحليين، بل بات منتجًا سياحيًا عالميًا تتنافس الشركات على تطويره، فشركات مثل “تشاينا هايلايتس” تقدم برامج سفر تتضمن جولات حية لتجربة السيارات ذاتية القيادة، أو استلام الوجبات عبر طائرات مسيرة، وهي تفاصيل يومية تحفر في ذاكرة السائح أكثر من زيارة المتاحف أو الأسواق التقليدية.

وفي الوقت ذاته، دخلت شركات أجنبية مجال السياحة التكنولوجية في الصين، مثل الشركة الهولندية “تشانا تك تريب” التي تنظم رحلات متخصصة تشمل زيارات لمقار شركات كبرى مثل “علي بابا” و“شاومي”، إلى جانب استكشاف أنظمة النقل الذكي والبنية التحتية الرقمية، الأمر الذي يمنح الزوار فرصة لفهم كيف أصبحت الصين مختبرًا عالميًا لتقنيات المستقبل.

مستقبل السياحة

تتوقع التقديرات أن يتضاعف حجم السياحة التكنولوجية في الصين خلال السنوات المقبلة مع استمرار المدن في ضخ استثمارات ضخمة بمجالات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وأنظمة النقل الذكي، وهو ما يعزز من مكانتها ليس فقط كقوة صناعية وتكنولوجية، بل أيضًا كوجهة سياحية غير تقليدية. 

ويبدو أن الصين عازمة على إعادة صياغة مفهوم السفر عالميًا، حيث لا يقتصر الأمر على استكشاف المواقع الأثرية، بل يمتد ليشمل خوض تجارب حية لمستقبل الإنسان والتكنولوجيا في مدينة عصرية تتنفس الابتكار.