عودة منصة GitHub إلى سوريا تفتح المجال أمام المطورين وتدعم مسيرة التحول الرقمي

شهدت سوريا خلال شهر سبتمبر الجاري خطوة لافتة في مسارها الرقمي مع عودة خدمات منصة GitHub بالكامل إلى البلاد، بعد سنوات من العزلة التي حُرم فيها المبرمجون السوريون من المشاركة في المشاريع العالمية أو الاستفادة من الأدوات الأساسية لتطوير البرمجيات، وقد اعتُبرت هذه العودة نافذة أمل جديدة أمام مجتمع المطورين، ورسالة بأن الطريق نحو الانفتاح التقني أصبح أكثر وضوحًا بعد تخفيف العقوبات الأمريكية.

خطوة محورية

جاءت هذه العودة بعد إعلان GitHub رفع جميع القيود عن المستخدمين في سوريا، بما يشمل الوصول إلى المستودعات الخاصة والخدمات المدفوعة مثل GitHub Copilot، إضافة إلى القدرة على الانضمام لفرق دولية دون قيود.

وأوضح وزير الاتصالات وتقانة المعلومات عبد السلام هيكل أن القرار يمثل بداية جديدة للشباب المبدع، مؤكدًا شكره للعاملين السوريين في الشركات العالمية وللجهات التي ساهمت في إتمام هذه الخطوة، بينما أكدت الشركة أن القرار جاء بالتوازي مع تخفيف العقوبات وضوابط التصدير إلى سوريا.

القرار أتاح للمطورين السوريين استخدام المنصة بكامل إمكاناتها لأول مرة منذ سنوات طويلة، إذ لم يعد هناك حاجة إلى حلول بديلة مثل شبكات VPN أو منصات غير رسمية، وهو ما يعيد المبرمج السوري إلى صلب المجتمع التقني الدولي، ويوفر له بيئة عمل أكثر أمانًا وكفاءة.

أهمية المنصة

منصة GitHub ليست مجرد موقع لاستضافة الأكواد، بل هي أكبر مجتمع عالمي للمطورين، وأداة رئيسية للتعاون بين الأفراد والشركات، ويقوم نظامها الأساسي Git على حفظ تاريخ كامل للمشاريع مع إمكانية تعديلها وتطويرها بشكل جماعي عبر آلية Pull Requests، ما يجعلها حجر الأساس لمشاريع البرمجيات المفتوحة المصدر.

وقد شبّه الخبير التقني طلال هاشم حرمان المطور السوري من GitHub بحرمان طالب طب من دخول المكتبات الطبية أو التدريب في المستشفيات، مؤكدًا أن هذا الحرمان عرقل فرص العمل الحر والتعاون الدولي وقلّص إمكانات بناء محافظ أعمال احترافية.

اليوم، يستطيع المبرمج السوري أن يساهم من جديد في مشاريع عالمية مفتوحة المصدر مثل Linux وPython، وهو ما يمنحه شعورًا بالانتماء للمجتمع التقني الدولي ويزيل سنوات من العزلة الرقمية، ويعزز فرصه في الحصول على وظائف مع شركات أجنبية أو في إطلاق مبادرات برمجية محلية متكاملة.

تحولات وتحديات

قرار عودة GitHub إلى سوريا جاء عقب سلسلة من الإجراءات الأمريكية، بدءًا من إلغاء عقوبات اقتصادية في يونيو الماضي ثم تخفيف متطلبات الترخيص للصادرات المدنية في أغسطس، وقد تبع ذلك رفع القيود عن خدمات Google الإعلانية، وهو ما علق عليه الخبير التقني خالد خليل باعتباره جزءًا من سياسة جديدة تستهدف فتح المجال للقطاع المدني والخاص، ورأى أن هذه القرارات تشكل مؤشرات ملموسة على توجه نحو دعم رواد الأعمال والشباب.

رغم ذلك، يؤكد خبراء أن التحديات ما زالت قائمة، إذ يظل ضعف البنية التحتية للإنترنت والانقطاعات الكهربائية المتكررة عقبة أمام الاستفادة الكاملة من المنصات السحابية، كما أن العديد من الخدمات التقنية الأخرى لا تزال مقيدة، وهو ما يتطلب إصلاحات إضافية لضمان استدامة التحول الرقمي.

ويشير خليل إلى أن المجتمع التقني المحلي نفسه مطالب اليوم باستغلال هذه الفرصة لإثبات أن سوريا قادرة على إنتاج محتوى رقمي متطور ومشاريع ذات قيمة عالمية.

هذه العودة لا تمثل مجرد خطوة تقنية، بل هي تحول رمزي يعيد للمطورين السوريين حقهم في الانخراط ضمن شبكة البرمجة العالمية، ويمنح الشركات الناشئة في البلاد فرصة جديدة لعرض أفكارها على الساحة الدولية، كما أنها تفتح الباب أمام تعاون أكاديمي ومهني واسع يعزز من مكانة سوريا في مجال تكنولوجيا المعلومات.