فيسبوك يتخلى عن ماضيه النصي ويخوض سباق الفيديو القصير مع تيك توك

في تحول جذري يعكس توجه شركة ميتا نحو ترسيخ ثقافة الفيديو القصير، أعلن فيسبوك عن أكبر تحديث له منذ سنوات، حيث أصبح محتوى ريلز في قلب التجربة الجديدة على المنصة، ليتحول الموقع من ساحة للتدوينات والمنشورات إلى منصة مشاهدة تفاعلية تسعى لمنافسة تيك توك مباشرة في سوق الفيديو القصير الذي يسيطر على انتباه المستخدمين حول العالم.

تجربة موحدة

بداية التغيير جاءت مع قرار ميتا اعتبار كل المقاطع المنشورة على المنصة ريلز، بغض النظر عن مدتها، فسواء كان الفيديو أقل من دقيقة أو تجاوز الدقيقتين، سيُعرض ضمن واجهة موحدة، بهدف زيادة زمن المشاهدة وتحسين تفاعل المستخدمين مع المحتوى. وأوضحت الشركة أن الخوارزمية الجديدة ستتعلم من تفضيلات المشاهدة الفردية لتخصيص التوصيات بدقة أكبر، ما يعني أن كل حركة يقوم بها المستخدم داخل التطبيق تُترجم إلى إشارة تحليلية تُعيد تشكيل تجربته.

في هذا التحديث، لم تعد خاصية الحفظ مجرد وسيلة لتجميع المقاطع، بل أصبحت جزءًا من نظام الذكاء الاصطناعي الذي يتعلم ما يثير اهتمامك، كما تم ربط الفيديوهات بكلمات مفتاحية تفاعلية يمكن النقر عليها لفتح صفحات بحث جديدة دون مغادرة الفيديو الحالي، وهي طريقة لزيادة التفاعل وتوسيع زمن البقاء داخل المنصة.

فقاعات الأصدقاء

قدمت ميتا ميزة جديدة باسم Friend Bubbles تُظهر للمستخدمين أسماء الأصدقاء الذين تفاعلوا مع الريلز نفسها، لتعيد عنصر التواصل الاجتماعي إلى واجهة المشاهدة، وتربط الترفيه بالتفاعل بين المستخدمين. ومع هذا التحديث، أصبح بالإمكان أيضًا اختيار خيار Not Interested عند ظهور فيديو غير مرغوب، ما يتيح للخوارزمية تعديل التوصيات فورًا بناءً على ذوق المستخدم الحقيقي.

ووفقًا لبيان ميتا الرسمي، صُممت التجربة الجديدة بحيث تمنح المستخدمين شعورًا بالتحكم الكامل في ما يظهر على شاشتهم، وهو ما اعتبره محللون محاولة لاستعادة ثقة الجمهور بعد تراجع التفاعل على المنصة خلال العامين الماضيين، خاصة بين الفئات العمرية الشابة التي انجذبت إلى تيك توك.

خوارزمية جديدة

تعتمد خوارزمية فيسبوك الآن على مجموعة مؤشرات دقيقة، تبدأ من مدة المشاهدة وتنتهي بطريقة التفاعل، إذ تُظهر تقارير متخصصة أن نصف الريلز المقترحة تأتي من منشئين نشروا خلال اليوم نفسه، ما يعزز فكرة التحديث المستمر ويجبر صناع المحتوى على النشر بوتيرة أسرع للبقاء في دائرة الظهور. كما أظهرت البيانات التجريبية أن زمن المشاهدة ارتفع بنسبة 20٪ منذ تطبيق النظام الجديد.

وأوضحت الشركة أن المقاطع التي تتجاوز الدقيقة الواحدة تستحوذ على أكثر من نصف وقت المشاهدة الكلي، رغم أنها تمثل ربع المحتوى المنشور فقط، ما يدل على أن المستخدمين لا يكتفون بالمقاطع القصيرة كما يظن البعض، بل يفضلون الفيديوهات الأطول إذا كانت جذابة ومليئة بالمعلومات.

سباق البقاء

التحول نحو الريلز لا يمكن اعتباره مجرد تحديث بصري، بل هو جزء من استراتيجية ميتا لمنافسة تيك توك، الذي غيّر طبيعة استهلاك المحتوى عالميًا، إذ أصبحت تجربة التصفح القائمة على الفيديو السريع هي المعيار الجديد للتفاعل الرقمي. وتهدف ميتا من خلال هذا التحول إلى إبقاء المستخدمين داخل فيسبوك فترة أطول، في وقت تتراجع فيه أهمية المنشورات النصية والصور التقليدية.

ويرى محللون أن ما يجري على فيسبوك اليوم هو محاولة لإعادة تعريف معنى التواصل، فالمنصة التي بدأت كشبكة اجتماعية أصبحت اليوم مساحة عرض مفتوحة للمحتوى الترفيهي، مدفوعة بخوارزميات دقيقة تتنبأ بسلوك المستخدم قبل أن يقرر ما يريد مشاهدته.