هواوي.. القصة الكاملة لصعود العملاق الصيني ومواجهته للعقوبات الأمريكية
هواوي
قبل عام 2019، كانت هواوي تُعدّ من أكثر الشركات تقدمًا في مجال التكنولوجيا عالميًا، بل ونجحت في تجاوز كبرى الشركات المنافسة في قطاعات متعددة، من الهواتف الذكية إلى شبكات الاتصالات والبنية التحتية. لكن التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة غيّرت مسار الشركة، لتتحول من رمز للهيمنة التكنولوجية إلى نموذج للمقاومة والاعتماد على الذات.
هواوي ليست مجرد شركة هواتف
عندما يُذكر اسم هواوي، يظن الكثيرون أنها شركة متخصصة في الهواتف الذكية فقط، لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير.
تُعدّ هواوي إحدى أكبر المجموعات التكنولوجية في العالم، إذ تمتد أعمالها لتشمل الإلكترونيات الاستهلاكية، الأجهزة اللوحية، الحواسيب المحمولة، الأجهزة القابلة للارتداء، الشاشات الذكية، الأجهزة الصوتية، وأجهزة الشبكات المنزلية.
أما في المجال الأكثر تأثيرًا، وهو شبكات الاتصالات والبنية التحتية، فقد كانت هواوي اللاعب الأبرز عالميًا.
فالشركة الصينية كانت أكبر مُصنّع لمعدات الاتصالات في العالم، وامتلكت الريادة في تطوير تكنولوجيا الجيل الخامس (5G)، كما بدأت بالفعل في العمل على الجيل السادس (6G). ولم تكتف بذلك، بل وفرت حلولًا للألياف البصرية وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية لشركات الاتصالات في عشرات الدول، مما جعلها حجر الأساس في البنية الرقمية لعالم اليوم.
الخطر الذي أقلق أمريكا
تميزت هواوي بتقديم حلول تكنولوجية متطورة بأسعار أقل من أي منافس غربي، وهو ما جعلها تتوسع بسرعة في الأسواق العالمية. هذه الميزة التنافسية خلقت قلقًا متزايدًا لدى الولايات المتحدة وشركاتها العملاقة في مجالات الاتصالات والإلكترونيات، إذ أصبحت هواوي خارج نطاق السيطرة الأمريكية من حيث التكنولوجيا والأسعار.
وبينما كانت شركات مثل آبل وسامسونج تتنافس في سوق الهواتف الذكية، نجحت هواوي في التفوق عليهما في مبيعاتها قبل عام 2019، وهو ما اعتُبر مؤشرًا واضحًا على أن التوازن الصناعي والتكنولوجي العالمي بدأ يميل لصالح الصين.

لحظة التحول.. القائمة السوداء
في مايو 2019، أعلنت وزارة التجارة الأمريكية إدراج هواوي على قائمة الكيانات السوداء (Entity List)، وهي خطوة منعت الشركة من شراء أو استخدام أي تكنولوجيا أو مكونات أمريكية دون الحصول على ترخيص خاص.
كان لهذا القرار تأثير مباشر على قطاع الهواتف الذكية داخل هواوي، إذ أصبحت غير قادرة على استخدام خدمات Google Mobile Services (GMS) على نظام أندرويد، ما شكل ضربة قوية لانتشار هواتفها عالميًا.
لكن هواوي لم تتراجع أمام الأزمة، بل قررت أن تجعل منها فرصة للابتكار.
طورت الشركة نظام التشغيل الخاص بها HarmonyOS كبديل لأنظمة التشغيل الأمريكية، وأطلقت منظومة Huawei Mobile Services (HMS) لتكون قاعدة رقمية متكاملة تضم متجر التطبيقات، الخرائط، خدمات الدفع، والمحتوى الرقمي، مما مكنها من الاستمرار في تقديم تجربة مستخدم متكاملة دون الاعتماد على جوجل.
التصنيع الذاتي والتحدي التقني
لم تتوقف التحديات عند البرمجيات، إذ شملت العقوبات أيضًا حرمان هواوي من الحصول على أحدث رقائق المعالجة من كبرى الشركات العالمية مثل TSMC.
وفي مواجهة ذلك، بدأت الشركة مشروعًا طموحًا لتصنيع الرقائق وأشباه الموصلات محليًا.
وكان إطلاق سلسلة هواتف Mate 60 في عام 2023، والمزودة بشريحة Kirin 9000s المصنّعة داخل الصين، بمثابة إعلان رسمي عن عودة هواوي للمنافسة من خلال الاعتماد على التكنولوجيا الذاتية.
هذه الخطوة لم تكن مجرد انتصار تقني، بل كانت أيضًا تعبيرًا عن استقلال سياسي واقتصادي، إذ أثبتت أن الصين قادرة على إنتاج معالجات عالية الأداء رغم القيود الأمريكية المفروضة على تصدير تكنولوجيا التصنيع المتقدمة إليها.
البحث والتطوير.. سلاح هواوي الأقوى
من أهم أسرار استمرار هواوي في المنافسة، هو إيمانها العميق بأهمية الاستثمار في البحث والتطوير (R&D).
فالشركة تخصص سنويًا أكثر من 20% من إيراداتها لهذا القطاع الحيوي، وهو ما جعلها من بين أكبر خمس شركات في العالم من حيث حجم الإنفاق على الابتكار.
وحتى نهاية عام 2024، تمتلك هواوي أكثر من 150,000 براءة اختراع نشطة في مختلف أنحاء العالم، تشمل تقنيات الاتصالات، الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، وأشباه الموصلات.
كما تملك مراكز بحثية في أوروبا وآسيا وأفريقيا، تعمل جميعها ضمن منظومة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء التكنولوجي الكامل، بعيدًا عن الاعتماد على الشركات الأمريكية.
التحول نحو الذكاء الاصطناعي
ومع التقدم الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي عالميًا، اتجهت هواوي بقوة نحو هذا القطاع باعتباره مستقبل الصناعة التكنولوجية.
تعمل الشركة على تطوير حلول متقدمة للذكاء الاصطناعي في مجالات الاتصالات، المدن الذكية، وإدارة الطاقة، كما تسعى لدمج الذكاء الاصطناعي في هواتفها ومنتجاتها الذكية لخلق تجربة مستخدم أكثر تطورًا واستقلالًا.
اقتصاد التكنولوجيا.. ودلالات التجربة الصينية
القضية ليست مجرد نزاع بين شركتين، بل هي انعكاس لصراع اقتصادي عالمي على قيادة التكنولوجيا الحديثة.
فما فعلته هواوي كشف عن مدى اعتماد العالم على تكنولوجيا محددة مملوكة لدول معينة، وأثبت في الوقت نفسه أن الابتكار لا يمكن تقييده بالعقوبات.
لقد أصبحت تجربة هواوي مثالًا يُدرّس في كيفية مواجهة الأزمات عبر التحول نحو التصنيع المحلي، وبناء منظومات تشغيل بديلة، وتعزيز القدرات البحثية، وهي عناصر تمثل الأساس لأي دولة تسعى لتحقيق السيادة التكنولوجية.
النهاية ليست هنا
رغم كل القيود المفروضة عليها، ما زالت هواوي حاضرة بقوة في الأسواق العالمية، وتواصل تحقيق الأرباح والتوسع في مجالات جديدة، أبرزها الحوسبة السحابية، الطاقة الذكية، وإنترنت الأشياء، ولا تزال الشركة تُظهر قدرًا لافتًا من الصمود والقدرة على التكيّف مع المتغيرات العالمية.
قد تكون العقوبات الأمريكية قد أبطأت من سرعة نمو هواوي، لكنها لم توقفها، بل أجبرتها على الاعتماد على الذات وبناء منظومة تكنولوجية مستقلة.
ولو تم في يوم من الأيام رفع هذه القيود، فإن العالم سيشهد بلا شك عودة قوية لشركة هواوي، ربما بشكل أكثر ابتكارًا واستقلالًا من أي وقت مضى.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
أحدث الموبايلات
-
Apple iPhone 13 Pro Max
-
Xiaomi Redmi Note 11
-
Samsung Galaxy A52s
-
OPPO Reno6 Pro 5G
-
realme GT2 Pro
-
vivo Y19
-
Honor 50 Pro
-
Huawei Nova 9
-
Nokia 8.3 5G
هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟
-
نعم
-
لا
-
غير مهتم
أكثر الكلمات انتشاراً