الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يقلل التفكير النقدي ويهدد القدرات الذهنية

تشير الدراسات الحديثة إلى أن الاعتماد المتزايد على أدوات الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع مهارات التفكير النقدي لدى الأفراد، فكما تضعف العضلات عند عدم استخدامها، تضعف القدرات العقلية عندما يُفوّض الإنسان العمليات التحليلية الأساسية إلى الآلة، مما يقلل فرص ممارسة التفكير العميق والتحليلي ويؤثر سلبًا في الاستقلال المعرفي. 

هذه الظاهرة تثير قلق الباحثين بشأن مستقبل العقل البشري في عصر التكنولوجيا المتسارع، إذ يتحول المستخدم تدريجيًا من منتج للمعرفة إلى مستهلك للمحتوى الجاهز.

ضعف التحليل

أظهرت دراسة سويسرية شملت 666 مشاركًا، أن الاستخدام المتكرر للذكاء الاصطناعي يرتبط بانخفاض واضح في مستوى التفكير النقدي، خاصة بين الفئات الأصغر سنًا، واعتمدت الدراسة على أدوات قياس معتمدة مثل اختبار هالبرن للتفكير النقدي (HCTA). 

وتمثل هذه النتائج امتدادًا لمفهوم “تأثير جوجل” الذي ظهر عام 2011، وهو ميل الإنسان لنسيان المعلومات التي يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت، لكن التطورات الحديثة تشير إلى أن المشكلة تتجاوز النسيان لتشمل ضعف القدرة على الفهم والتحليل، حيث توفر أدوات الذكاء الاصطناعي إجابات جاهزة تقلل من نشاط الدماغ وتحل محل التفكير النقدي.

تفويض المهام

يميل الأفراد إلى تفويض المهام الصعبة إلى الذكاء الاصطناعي للحصول على إنجاز سريع، فقد أظهرت دراسة عام 2023 أن الضغوط المعرفية تدفع الإنسان إلى الاعتماد على الخوارزميات حتى لو كان مترددًا في البداية. 

ومع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي، انتقل الاعتماد من البحث والمقارنة إلى الحصول على نتائج نهائية جاهزة، ما يقلل من ممارسة التحليل والمقارنة ويضعف المسارات العصبية المسؤولة عن التفكير النقدي. 

ويؤكد الخبراء أن هذه الظاهرة لا تعني الاستغناء عن الذكاء الاصطناعي، بل تتطلب إدماجه بطريقة واعية تحفظ دور العقل البشري في معالجة المعلومات.

استعادة القدرات

يمكن تعزيز مهارات التفكير النقدي في عصر الذكاء الاصطناعي من خلال ممارسات محددة، أولها التوقف المؤقت عن استخدام الأدوات الذكية والقيام بأنشطة تتطلب التحليل المستقل، سواء في الدراسة أو العمل، لتحفيز الدماغ على التفكير العميق. 

ثانيًا، مقارنة مخرجات الإنسان مع نتائج الذكاء الاصطناعي، حيث تُكلّف المجموعات التعليمية بتحليل المهام بأنفسهم ثم تفويضها للنظام الذكي، ما يساعدهم على فهم الفروق بين أساليب التفكير البشري والآلي. 

ثالثًا، تشجيع الحوار والتعاون الجماعي بين البشر ضمن مجموعات عمل محدودة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، لتعزيز النقاش وصياغة الأفكار بشكل مستقل.