رئيس الرقابة المالية يعلن انطلاقة رقمية شاملة للقطاع غير المصرفي خلال Cairo ICT 2025

شهد معرض Cairo ICT 2025 واحدة من أكثر المقابلات حضورًا وتأثيرًا في مسار التحول الرقمي داخل الأسواق المالية، بعدما فتح الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، جميع الملفات الحيوية المرتبطة بمستقبل الرقابة، ومستقبل التكنولوجيا، ومستقبل العلاقة بين المواطن والمؤسسات المالية غير المصرفية، ليكشف ملامح مرحلة جديدة تتجاوز حدود التطوير الإجرائي إلى "ثورة مفاهيم" تعيد تشكيل دور الرقيب، وتعزز قدرته على تمكين الأسواق اعتمادًا على منظومة رقمية متكاملة. 

وجاءت المقابلة التي أدارها الأستاذ إبراهيم سرحان رئيس مجلس إدارة شركة إي فاينانس، لتسلط الضوء على شراكات استراتيجية ضخمة تشمل إطلاق أول منصة مدفوعات إلكترونية شاملة للمؤسسات المالية غير المصرفية، وبناء أنظمة متطورة لمكافحة الاحتيال، وتطوير بنية رقمية موحدة تربط 14 نشاطًا رقابيًا بقواعد بيانات مركزية فاعلة.

تحول رقمي

أكد الدكتور محمد فريد أن عصر السداد الورقي وصل إلى نهايته داخل هيئة الرقابة المالية، موضحًا أن التعاون مع شركة "إي تاكس" سيتيح لشركات التخصيم الاستعلام الفوري عن الفواتير والتحقق منها، بما يقطع الطريق على محاولات الاحتيال ويضمن سرعة الإجراءات دون التأثير على كفاءة الخدمة. 

وأشار إلى أن الهيئة تتجه لإطلاق منصة دفع إلكترونية متكاملة بالتعاون مع شركة إي فاينانس، بحيث يحصل كل كيان خاضع للرقابة على ملف إلكتروني شامل يمكنه من سداد جميع الرسوم والتعاملات بشكل رقمي كامل، في خطوة ستُلغى معها الحاجة لأي تداول ورقي أو إجراءات تقليدية، مؤكدًا أن التكنولوجيا باتت عنصر الحسم في تنظيم السوق والحفاظ على استقراره.

رؤية جديدة

وخلال الجولة التي قام بها في جناح إي فاينانس ضمن فعاليات المعرض، استمع رئيس الهيئة لعرض شامل حول أحدث ما وصلت إليه البنية التحتية الرقمية التي تطورها المجموعة، موضحًا أن الهيئة تستند إلى التكنولوجيا باعتبارها "العامل المشترك" القادر على عبور 14 نشاطًا رقابيًا مختلفًا تخضع لها الهيئة. 

وكشف أن التحول الرقمي داخل الهيئة كان حلمًا قبل عام 2023، لكن العمل المتواصل مكّن من بناء قواعد بيانات موحدة، وتطوير خدمات التعرف الإلكتروني على العميل (e-KYC)، والسماح بالتعاقد الإلكتروني وفق تشريعات حديثة منحها القانون المصري حجية كاملة أمام الجهات القضائية، ما أتاح للهيئة تأسيس منظومة متجانسة قادرة على الربط بين الأنشطة كافة، وتقليل الاعتماد على العنصر البشري بما يخفض الأخطاء ويرفع مستويات الحماية.

دور الرقيب

وأوضح رئيس الهيئة أن وظيفة الرقيب لم تعد تتوقف عند "المنع" لضبط الاستقرار، بل باتت تتجه نحو "التمكين" عبر استخدام التكنولوجيا كأداة رئيسية لتنمية الأسواق، مشددًا على أن الرقمنة فتحت الباب لمنتجات مبتكرة لم تكن ممكنة من قبل، مثل الملكية التشاركية التي سمحت للمواطن بامتلاك أجزاء من العقارات بضغطة زر، وصناديق الذهب التي أصبحت الآن تحت رقابة كاملة وتشريعات منظمة. 

وأكد أن الهيئة تتطلع أيضًا إلى مضاعفة حجم قطاع التأمين خلال السنوات المقبلة، في ظل التطور المتسارع للسوق وزيادة الاعتماد على البيانات الضخمة وتحليلها عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن 25 شركة من أصل 79 شركة عاملة في الأنشطة المالية غير المصرفية تقدم خدمات رقمية بالكامل، بينما تستوفي 54 شركة المتطلبات اللازمة للامتثال الرقمي، مع نشر منظومة تعهيد متكاملة تضمن التوسع في تقديم الخدمات الرقمية لجميع الشركات.

وخلال الحوار، شدد الدكتور فريد على أن البيانات تصبح بلا قيمة إذا لم تُترجم عبر التكنولوجيا إلى معرفة تسمح بالتدخل السليم، محذرًا من الاعتقاد الخاطئ بامتلاك التكنولوجيا، قائلًا إن التطور السريع يجعل من أي نظام تقني متقادمًا خلال فترة قصيرة، ما يستلزم دراسة دائمة، وانخراطًا مستمرًا في تحديث الأدوات والمعايير. 

وأوضح أن التحولات التي شهدتها الهيئة خلال السنوات الأخيرة كانت نتاج "مذاكرة يومية"، لأن العمل العام – كما وصفه – "مسؤولية أخلاقية" تتطلب وقتًا وجهدًا مضاعفين، حيث يدفع من يتصدر لهذا الدور جزءًا من حياته الخاصة مقابل أداء هذه المهمة، مؤكدًا أن الأسواق المالية لا تتحمل القرارات السطحية، وأن كل إجراء يجب أن يستند إلى دراسة معمقة ومعرفة دقيقة.

واختتم رئيس الهيئة بالتأكيد على أن الهيئة تبني اقتصادًا جديدًا يقوم على الابتكار وليس الورق، وعلى السرعة الرقمية بدلًا من الإجراءات التقليدية، وعلى التشريعات المحفزة قبل أدوات الرقابة، مع الالتزام التام بحماية المتعاملين وضمان استدامة النمو في مختلف الأنشطة المالية غير المصرفية، ليبدأ بذلك عصر جديد يكون فيه الرقيب المالي "صانع ألعاب" يقود المنظومة إلى مزيد من الانفتاح والتنمية.