التفضيل الرقمي.. لماذا يتجه المستخدمون نحو الروبوتات في خدمة العملاء وحتى الرعاية النفسية؟
الذكاء الاصطناعي
عاد الجدل بقوة حول موقع الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، مع تزايد الملاحظات التي تشير إلى أن عددًا كبيراً من المستخدمين باتوا يفضلون التحدث والتفاعل مع الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مواقف محددة وحاسمة.
في المقابل، يصر قسم آخر من المستخدمين على ضرورة بقاء العنصر البشري حاضراً وفعالاً في المجالات الأكثر حساسية، مما يخلق مفارقة سلوكية لافتة.
توقعات معقدة
تشير توقعات كبار قادة شركات تطوير الذكاء الاصطناعي، مثل سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، إلى أن وظائف خدمة العملاء ستكون من أكثر المجالات تأثراً بتحولات الذكاء الاصطناعي المتسارعة.
يرى ألتمان بوضوح أن وظيفة خدمة العملاء قد تصبح "من الماضي تمامًا" في المستقبل القريب، لكن الواقع العملي الحالي يُظهر صورة أكثر تعقيداً وتشابكاً.
تُظهر دراسات حديثة صادرة عن معمل الاقتصاد الرقمي في جامعة ستانفورد الأمريكية تراجعاً في التوظيف المبكر بمراكز الاتصال بنسبة وصلت إلى 10% تقريباً، وذلك في الفترة الممتدة من أواخر عام 2022 وحتى منتصف عام 2025.
هذا التراجع يعكس بداية واضحة لموجة من التغيير الهيكلي في هذه الوظائف، ويثبت أن التوقعات بدأت تترجم إلى أرقام على أرض الواقع.
ومع ذلك، تُحذّر جهات بحثية بارزة مثل Gartner من أن إزالة العنصر البشري بالكامل من هذا القطاع الحيوي هو أمر غير واقعي على المدى المنظور، مؤكدة أن الشركات التي راهنت في السابق على الأتمتة الكاملة للخدمة بدأت بالفعل في التراجع التدريجي، والعمل على إعادة إدماج العنصر البشري مرة أخرى في منظومتها.
لا يرتبط السبب الوحيد لذلك بالقيود التقنية التي لا تزال قائمة في الروبوتات، بل يرتبط أيضاً بتفضيلات العملاء أنفسهم ورغباتهم.
فبحسب دراسات سلوكية، يميل المستخدمون إلى تقييم أداء روبوتات المحادثة سلبياً مقارنة بأداء الموظفين البشر، حتى عندما تقدم الخدمة نفسها بنفس الجودة، وذلك لإحساسهم بأن الشركات تعتمد الأتمتة في المقام الأول لتقليل التكلفة، وليس بهدف تحسين الجودة المقدمة.

ومن المفارقات أن موظفو مراكز الاتصال اليوم أصبحوا يعانون مهمة إضافية جديدة، وهي إقناع المتصلين بأنهم بالفعل بشر حقيقيون وليسوا مجرد روبوتات.
التوظيف والحلول
على الجانب الآخر من التفاعل البشري الآلي، يوضح بحث جديد أُجري في دولة الفلبين أن استخدام روبوتات المحادثة الصوتية في المقابلات الوظيفية قد يحقق نتائج أفضل بكثير من المحاورين البشريين، خصوصاً في بعض الوظائف التي تتطلب مهارات منخفضة وتعتمد على الاتساق.
التزمت المقابلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي بالمعايير المحددة وتغطية المحاور الرئيسية بثبات، مما أدى إلى جمع معلومات أكثر دقة حول المتقدمين وتقديم تقييمات أعلى من مسؤولي التوظيف البشر.
المفاجأة الأكبر كانت أن غالبية المتقدمين للوظائف قد فضلوا إجراء المقابلة بشكل كامل مع الذكاء الاصطناعي، بدلاً من التفاعل مع محاور بشري، هذا التفضيل يدل على أن الروبوتات قد توفر بيئة تقييم خالية من التحيز البشري وتوتر الموقف، مما يعزز الثقة في نزاهة العملية.
دعم نفسي
وفي مجال يعتبر الأكثر حساسية وحميمية، وهو الرعاية الصحية، وتحديداً الصحة النفسية، تكشف الأبحاث المتزايدة أن كثيرًا من المستخدمين يفضلون مناقشة قضاياهم الصحية الشخصية، وخاصة المشكلات النفسية المعقدة، مع روبوتات المحادثة بدلاً من المتخصصين البشريين.
تُظهر الدراسات أن المستخدمين يجدون الذكاء الاصطناعي أكثر قدرة على التعاطف، على الأقل ضمن إطار المحادثات النصية المكتوبة، وأكثر قدرة على توفير مساحة آمنة وخالية من الحكم، دون الشعور بالمعرّة أو الإحراج الاجتماعي.
تشير نتائج متعددة إلى تحسّن ملحوظ ومستمر في مؤشرات الاكتئاب لدى مستخدمي روبوتات العلاج النفسي بالمقارنة مع المجموعات التي تتلقى الدعم التقليدي، في خطوة يراها الخبراء فرصة ذهبية لتوسيع نطاق الوصول إلى خدمات الصحة النفسية، خاصة لمن يواجهون صعوبات جمة في الحصول على دعم بشري مباشر بسبب التكلفة أو الوصم الاجتماعي.
ولكن، الصورة ليست مثالية بالكامل، فقد سُجلت حالات نادرة جداً أثارت قلقًا بالغًا في الأوساط الطبية، شملت أنماطًا من "الذهان المرتبط بالذكاء الاصطناعي" وحادثة انتحار لمراهق بعد تفاعلات مطولة وغير مراقبة مع نموذج محادثة،هذه الحوادث تسلط الضوء بشدة على الحاجة الماسة إلى معايير أمان أشد صرامة ورقابة أخلاقية على هذه النماذج العلاجية.
هذه الاتجاهات تكشف عن مفارقة سلوكية لافتة؛ فالمستخدم الذي يضغط بغضب على زر "0" في مركز الاتصال للتحدث مع موظف بشري لحل مشكلة إنترنت بسيطة، هو نفسه قد يختار بإرادته الحرة أن يناقش تفاصيل صحته النفسية العميقة مع روبوت ذكاء اصطناعي.
يكمن الفارق الجوهري، كما يرى الخبراء، في طبيعة المهمة التي يتم إنجازها، وفي حرية الاختيار المطلقة الممنوحة للمستخدمين.
ومع التطور المتواصل لتقنيات الذكاء الاصطناعي وقدرتها المتزايدة على محاكاة التعاطف والاتساق في الأداء، يبقى السؤال مفتوحًا وبشكل كبير: هل نتجه نحو عالم يصبح فيه الحديث مع روبوتات الذكاء الاصطناعي خيارًا طبيعيًا وربما مفضلاً دائماً؟ أم أن الاعتماد على الاتصال البشري الحقيقي سيبقى ضرورة لا غنى عنها في معظم جوانب الحياة؟
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
أحدث الموبايلات
-
Apple iPhone 13 Pro Max
-
Xiaomi Redmi Note 11
-
Samsung Galaxy A52s
-
OPPO Reno6 Pro 5G
-
realme GT2 Pro
-
vivo Y19
-
Honor 50 Pro
-
Huawei Nova 9
-
Nokia 8.3 5G
هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟
-
نعم
-
لا
-
غير مهتم
أكثر الكلمات انتشاراً