الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

12:47 ص

متصفحات الذكاء الاصطناعي.. ثورة في التصفح تخفي وراءها تحديات أمنية خطيرة تنتظر المستخدمين

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي

A A

شهد العالم منذ إطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT سباقًا محمومًا بين الشركات لدمج هذه التقنيات في مختلف الأعمال والمنتجات، فظهرت أدوات متطورة لإنتاج النصوص والصور والموسيقى ومقاطع الفيديو الاحترافية. 

ومع هذا التوسع الكبير في الاستثمار وتطوير النماذج اللغوية الكبيرة والتطبيقات المعتمدة عليها، كانت الخطوة المنطقية التالية هي ظهور جيل جديد من وكلاء الذكاء الاصطناعي ومتصفحات الويب التي تستند إليهم.

انتشار المتصفحات

تشهد متصفحات الويب المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الآونة الأخيرة انتشارًا سريعًا وملحوظًا بين المستخدمين والشركات على حدٍ سواء، بهدف رئيسي هو تحسين تجربة التصفح وجعلها أكثر كفاءة وسرعة، ففي نهاية شهر مايو من العام الجاري 2025، أطلقت شركة أوبرا العالمية متصفحها الذكي الذي يحمل اسم Neon لينافس في هذا المجال الصاعد. 

كما أعلنت شركة Perplexity في مطلع شهر أكتوبر عن إتاحة متصفحها الرائد Comet مجانًا لجميع المستخدمين، بعد أن كان مخصصًا فقط للمشتركين في الخطط المدفوعة التي قد تصل تكلفتها الشهرية إلى 200 دولار أمريكي. 

وفي نهاية الشهر ذاته، أطلقت شركة OpenAI متصفحها الخاص المسمى ChatGPT Atlas، فيما تستعد العديد من الشركات الأخرى بدورها للكشف عن منتجاتها الخاصة في هذا القطاع الواعد.

تمنح هذه المتصفحات المبتكرة وكيلًا ذكيًا مدمجًا القدرة على التفاعل المباشر مع كل صفحة ويب يقوم المستخدم بفتحها، مما يسمح بتنفيذ مجموعة واسعة من المهام المعقدة والمتنوعة. 

تشمل هذه المهام إجراء طلبات الشراء عبر الإنترنت بكل سهولة، وتلخيص المحتوى المطول بسرعة فائقة، بالإضافة إلى تحرير رسائل البريد الإلكتروني والعديد من الإجراءات الآلية الأخرى التي توفر الوقت والجهد، ولكن هذه القدرات التفاعلية والواسعة، رغم مغرياتها الكبيرة، تقود بشكل مباشر إلى ظهور تحديات أمنية جسيمة وخطيرة لا يمكن تجاهلها.

حقن التعليمات

يُعد هجوم "حقن التعليمات" (Prompt Injection) واحدًا من أخطر التهديدات الأمنية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا باستخدام متصفحات الذكاء الاصطناعي الحديثة، حيث يستطيع المهاجم إدخال تعليمات خبيثة ومضللة ضمن بيانات التصفح، هذه التعليمات الخبيثة مصممة بذكاء لإجبار النموذج اللغوي الكبير على تجاوز القيود المبرمجة له، مما يدفعه إلى تنفيذ إجراءات وأوامر لم تكن مقصودة من قبل المستخدم أو المطورين على حدٍ سواء. 

وقد أشارت تقارير أمنية سابقة إلى وجود ثغرات واضحة في متصفحات معروفة مثل Comet وFellou، مما يجعلها عرضة بشكل كبير لتسهيل هذا النوع من الهجمات الخطيرة.

تُمكن هذه الثغرات الأمنية المكتشفة المهاجمين من تنفيذ أوامر حساسة عبر مواقع ويب بالغة الأهمية، مثل المواقع المصرفية التي تحتوي على بيانات مالية، والأنظمة الصحية التي تتضمن سجلات المرضى السرية، وحسابات البريد الإلكتروني الشخصية أو المهنية.

تتمثل الخطورة الثانية والبالغة الأهمية في مسألة سرقة البيانات الحساسة، فلا يمكن للمتصفح الذكي أن يؤدي وظائفه المتقدمة بكفاءة عالية دون أن يكون لديه وصول مباشر إلى بيانات حسابات المستخدمين المختلفة وحتى كلمات المرور المحفوظة، وهو أمر يثير قلقًا كبيرًا بشأن إمكانية تعرض هذه البيانات للسرقة والاختراق. 

وتعمل الشركات المطورة لهذه المتصفحات حاليًا على إضافة مزايا أمنية متقدمة لتعزيز الأمان، حيث تمنع هذه المزايا الجديدة الوصول إلى المعلومات الحساسة دون إذن مباشر أو مراقبة من المستخدم نفسه.

على سبيل المثال، يتضمن متصفح Atlas وضعًا خاصًا يسمى "التصفح دون تسجيل دخول" (Logged Out Mode)، وهدفه الأساسي هو منع الوكيل الذكي من الوصول إلى بيانات اعتماد المستخدم المخزنة لديه، بالإضافة إلى وضع آخر هو "المراقبة" (Watch Mode) المخصص خصيصًا للتفاعل مع المواقع الحساسة. 

يتطلب هذا الوضع إشرافًا مباشرًا ودائمًا من المستخدم، حيث يُجبره على البقاء داخل التبويب المفتوح طوال فترة تنفيذ أي مهمة داخل موقع يعد حساسًا أو مهمًا، لكن بالرغم من كل هذه المزايا الاحترازية، لا يوجد ضمان قاطع بأن تتمكن المتصفحات الذكية من التعامل بأمان مطلق مع هذه البيانات بالغة الأهمية على المدى الطويل، حيث تبقى عرضة للاختراق مما قد يؤدي إلى سرقة البيانات الحساسة لآلاف المستخدمين.

زيادة المراقبة

يشير بعض الخبراء الأمنيين إلى أن متصفحات الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى زيادة غير مسبوقة في مستوى المراقبة على المستخدمين ونشاطهم اليومي، وذلك لكونها تقوم بجمع تفاصيل متكاملة ودقيقة للغاية عن سلوك المستخدم عبر شبكة الإنترنت. 

تشمل هذه التفاصيل الشاملة الصفحات التي يزورها، وأنماط السلوك المتكررة، والتفضيلات الشخصية، وغيرها الكثير من البيانات السلوكية.

يحذر المتخصصون من أن حجم ونوعية البيانات التي يكشفها المستخدم لمتصفحات الذكاء الاصطناعي تتجاوز بكثير ما كان يكتبه في محركات البحث التقليدية القديمة، هذا يمنح الشركات المُطوّرة لتلك المتصفحات صورة دقيقة ومفصلة جدًا عن حياة المستخدم الشخصية، وقراراته المستقبلية، وطريقة تفكيره، بل ونظرته للعالم. 

ويرى الخبراء أن الجمع بين وظائف البحث والتصفح والأتمتة في أداة واحدة يوفر للشركات مستوى غير مسبوق من معرفة أنشطة المستخدمين وبياناتهم الخاصة. 

ولذلك، يجب توفير قدر كافٍ وشفاف من المعلومات للمستخدمين بشأن كيفية تخزين بياناتهم واستخدامها في النماذج التدريبية.

في الختام، توفر متصفحات الذكاء الاصطناعي الحديثة إمكانات هائلة وغير مسبوقة لسرعة البحث وتصفح الويب وأداء المهام المعقدة، مما يؤدي إلى تحسين كبير في مستويات الإنتاجية اليومية والشخصية، لكنها في الوقت نفسه تحمل معها مخاطر أمنية عميقة وخطيرة لا ينبغي على المستخدمين أو الشركات تجاهلها على الإطلاق. 

وحتى تتوفر ضوابط واضحة وقوانين صارمة لتنظيم استخدام هذه المتصفحات، يجب التعامل معها بمنتهى الحذر والريبة، والنظر إليها كأدوات قد تُستخدم للمراقبة والتجسس بالقدر نفسه الذي يمكن أن تساعد به في تحسين الإنتاجية والكفاءة اليومية.

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً