الثلاثاء، 02 ديسمبر 2025

10:51 ص

دراسةٌ تؤكد: الذكاء الاصطناعي لا يمتلك الإبداع البشري الأصيل المطلق

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي

A A

سادت حالةٌ من الهوس العالمي المبالغ فيه، التي غذّتها حملاتٌ إعلاميةٌ ضخمةٌ، حول إمكانية أن تتجاوز أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، وفي مقدمتها نموذج ChatGPT الشهير، حدود الإبداع البشري الأصيل، بل وتهديدها باستبدال الكُتّاب، والفنانين، والمبتكرين في المستقبل القريب، وهو ما خلق حالةً من الجدل،فقد تخيّل عددٌ كبيرٌ من الناس أن البشرية باتت على أعتاب مرحلةٍ جديدةٍ، لن يبقى فيها الإبداع حكرًا على العقول البشرية الخلّاقة، وهو ما دفع علماء للبحث الدقيق.

لكن، جاءت دراسةٌ أستراليةٌ حديثةٌ، لتقدّم رؤيةً ومنظورًا علميًا صارمًا وواضحًا، يضع حدًا نهائيًا لهذا الجدل الواسع، مؤكدةً بشكلٍ قاطعٍ أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك في حقيقته القدرة على تحقيق الإبداع الأصيل، بل يظل إبداعه محدودًا بشكلٍ أساسيٍ بالمعايير الرياضية المدمجة والمبرمجة في بنيته الداخلية، وبعيدًا كل البعد عن الأصالة والابتكار اللذين يتسم بهما الإنسان المبدع. 

قاد هذه الدراسة البروفيسور ديفيد كروبلي، الذي يشغل منصب أستاذ الابتكار الهندسي في جامعة جنوب أستراليا، وقد نُشرت النتائج البحثية في مجلة (Journal of Creative Behavior) العلمية، تحت عنوانٍ مثيرٍ يطرح تساؤلًا واضحًا حول الإبداع.

حدودٌ رياضية

كشفت هذه الدراسة الرائدة أن النماذج اللغوية الكبيرة المتطورة، مثل ChatGPT، تمتلك سقفًا رياضيًا واضحًا ومُحددًا لقدرتها على الإبداع والابتكار، حيث أظهرت القياسات أن قدرتها القصوى على الإبداع بلغت 0.25 نقطةً فقط على مقياسٍ معياريٍّ يتراوح من 0 (يعني عدم وجود أي إبداعٍ على الإطلاق) إلى 1 (يمثل الإبداع الأقصى المطلق). 

هذا الرقم المستخلص لا يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي بلا قيمةٍ أو فائدةٍ، بل يؤكد أن قدرته الإبداعية مقيدةٌ عند مستوى الإنسان العادي المتوسط، ولا يمكنها أن ترتفع أبدًا لتضاهي أو ترقى إلى مستوى الإبداع الذي يقدمه الخبراء أو المحترفون في كافة مجالات الفن أو الكتابة في ظل مبادئ التصميم والخوارزميات الحالية المعمول بها.

يشير البروفيسور كروبلي بوضوحٍ إلى أن الذكاء الاصطناعي قادرٌ على محاكاة السلوك الإبداعي وتقليده بكفاءةٍ، ويمكنه إنتاج محتوى يبدو مقنعًا في بعض الأحيان للعامة، لكنه يفتقر إلى المكونات الأساسية، إذ لا يستطيع إنتاج أعمالٍ فنيةٍ أو أدبيةٍ تضاهي بجديةٍ مستوى المحترفين أو المبدعين ذوي الخبرة العالية في مجالاتهم. 

يكمن السبب الرئيسي والجوهري في عدم قدرة نموذج ChatGPT والنماذج المماثلة له على الإبداع الأصيل في طريقة عملها الأساسية التي تعتمد على عملية التوليد الإحصائي للمحتوى، وقد أشار البروفيسور كروبلي إلى أن الالتباس القائم يكمن في سوء الفهم الشائع لمعنى الإبداع نفسه.

توليدٌ مختلف

أوضح كروبلي أن الكثيرين يخلطون بين مفهوم التوليد (Generating) ومفهوم الإبداع (Creating) الحقيقي، مشيرًا إلى أن ما ينجزه نموذج (ChatGPT)، هو عملية توليدٍ بحتةٍ، حيث ينتج مخرجاته عن طريق الاعتماد على كمياتٍ ضخمةٍ من المحتوى المعرفي الموجود سابقًا، والذي تم تدريبه عليه بعنايةٍ شديدةٍ. 

وهذا يعني أن استجابته لأوامر المستخدمين تعتمد بشكلٍ كليٍّ على الأنماط الإحصائية التي استوعبها وتعلّمها من البيانات المدخلة، مما يجعل مخرجاته غالبًا ما تكون متوقعةً وخاليةً من أي مفاجأةٍ أو أصالةٍ حقيقيةٍ، بينما يشترط الإبداع الأصيل والفعلي إنشاء شيءٍ يتسم بأنه جديدٌ كليًا، وأصليٌ فريدٌ، وفعّالٌ ذا قيمةٍ، ولا يمكن للخوارزميات الحالية تحقيق هذه القفزة النوعية والمطلوبة.

كما أشار البروفيسور إلى أن الأداء الإبداعي البشري ليس متماثلًا أو موحدًا بين الجميع، موضحًا أن نحو 60% من الناس يقدمون عادةً أداءً إبداعيًا أقل من المتوسط، ولهذا السبب فإنه من الطبيعي تمامًا أن يعتقد جزءٌ كبيرٌ من المجتمع أن النماذج اللغوية مثل ChatGPT هي نماذج مبدعةٌ بحقٍ، رغم أنها ليست كذلك بالمعنى العميق للإبداع. 

ويضيف أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدراتٍ إبداعيةٍ عاليةٍ وكبيرةٍ هم من سيكتشفون بسرعةٍ وذكاءٍ نقاط الضعف الجوهرية والقيود الموجودة في هذه الأنظمة التوليدية، نظرًا لقدرتهم على التمييز بين الإبداع الحقيقي والتقليد.

أداةٌ مساعدة

تُعدّ دراسة كروبلي أول محاولةٍ رسميةٍ وممنهجةٍ لقياس الإبداع في الذكاء الاصطناعي، بناءً على الآليات الداخلية والرياضية للنماذج اللغوية الكبيرة، وقد أكدت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي سيظل أداة دعمٍ قويةٍ ومفيدةٍ للغاية، يمكن للمحترفين استخدامها بفعاليةٍ لتسريع العمليات المختلفة مثل: صياغة المسودات الأولية، أو عملية العصف الذهني لتوليد الأفكار الأساسية، لكنها لا يمكنها أن تحل بأي شكلٍ من الأشكال محل العقل المبدع الموهوب والفريد، القادر على تقديم الابتكار الأصيل والمفاجئ. 

وشدد كروبلي على أن الميل للاعتماد المفرط والكامل على الذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات الإبداعية، قد يؤدي مع مرور الوقت إلى إنتاج أعمالٍ نمطيةٍ ومتكررةٍ، تفتقر إلى الروح والابتكار، في حين يظل المبدعون البشريون هم الوحيدون القادرون على إنتاج أعمالٍ فريدةٍ ومبتكرةٍ بحقٍ.

يرى البروفيسور كروبلي أن تمكين الذكاء الاصطناعي من بلوغ مستوى احترافيٍّ حقيقيٍّ من الإبداع، يتطلب تطوير بنيةٍ خوارزميةٍ جديدةٍ تمامًا، تسمح له بتوليد أفكارٍ غير مرتبطةٍ أو مقيدةٍ بالأنماط الإحصائية التي تدرب عليها سابقًا، أي بعبارةٍ أخرى، أن يصبح قادرًا على التفكير خارج الصندوق الذي بُرمِج فيه. 

وتُقدم هذه الدراسة العلمية جرعةً واضحةً ومهمةً من الطمأنينة لكل من يراهن ويؤمن بتفوّق الابتكار البشري وفرادته، ففي الوقت الذي يتقن فيه الذكاء الاصطناعي أداء المهام التي تعتمد على التجميع والمحاكاة بكفاءةٍ عاليةٍ وسريعةٍ، يظل الابتكار الجوهري اللحظي واللحظات العبقرية غير المتوقعة امتيازًا خاصًا بالإنسان. 

ويختتم البروفيسور كروبلي حديثه بتأكيدٍ قويٍّ مفاده أن هذه الدراسة تُظهر أن العالم ما زال بحاجةٍ ماسةٍ إلى المبدعين من البشر، ربما أكثر مما كان عليه في أي وقتٍ مضى.

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً