تيك توك يحسم مستقبله باتفاقية تاريخية لتأسيس مشروع مشترك

أعلنت شركة بايت دانس الصينية، المالكة لتطبيق تيك توك الشهير، عن توقيع اتفاقيات ملزمة مع ثلاثة مستثمرين رئيسيين لتأسيس مشروع مشترك يتولى إدارة عمليات التطبيق داخل الولايات المتحدة، في محاولة جادة لتفادي قرار الحظر النهائي وتأمين بقاء المنصة التي تخدم قطاعاً واسعاً من الجمهور الأميركي.

أفاد المدير التنفيذي لتطبيق تيك توك، شو تشيو، كافة موظفي الشركة عبر مذكرة داخلية رسمية بأن هذه الصفقة تمثل نقطة تحول جوهرية، خاصة وأن التطبيق يحظى بمتابعة أكثر من 170 مليون مستخدم أميركي بانتظام، مما يجعل استمرارية العمل ضرورة اقتصادية واجتماعية بعد سنوات طويلة من التوترات السياسية.

تأتي هذه الخطوة لإنهاء صراع بدأ منذ أغسطس 2020، حين حاول الرئيس السابق دونالد ترامب حظر التطبيق لأول مرة دون نجاح ملموس، لتتبلور اليوم صفقة تقدر قيمة عمليات تيك توك في السوق الأميركية بنحو 14 مليار دولار، وهو ما يعكس الحجم الضخم لهذا الكيان الرقمي في الاقتصاد العالمي الحديث.

هيكلة الملكية

وقعت بايت دانس الاتفاقيات مع شركات كبرى تضم أوراكل وسيلفر ليك ومجموعة إم جي إكس، لتأسيس كيان قانوني جديد يحمل اسم "TikTok US DS Joint Venture LLC"، حيث تمتلك هذه الأطراف مجتمعة حصة تبلغ 45% من المشروع، بهدف ضمان رقابة محلية تتماشى مع متطلبات الأمن القومي الصارمة.

يمتلك المستثمرون الأميركيون والدوليون بموجب هذا الاتفاق نسبة 80.1% من الكيان الجديد، بينما تراجعت حصة شركة بايت دانس الصينية لتصل إلى 19.9% فقط بعد إتمام عملية التخارج، مما يعيد رسم خريطة النفوذ داخل مجلس الإدارة ويقلل من مخاوف التدخل الخارجي في إدارة بيانات المستخدمين.

يتولى المشروع الجديد إدارة الأنشطة التجارية الدولية الحيوية، بما في ذلك قطاعات التجارة الإلكترونية الواعدة والإعلان والتسويق الرقمي، ويقود هذه العمليات مجلس إدارة جديد يتألف من سبعة أعضاء، حيث تم الاتفاق على أن تكون الأغلبية الساحقة من الأعضاء من الجنسية الأميركية لضمان الشفافية.

استكمال الصفقة

تستهدف الأطراف المعنية استكمال كافة الإجراءات القانونية والمالية بحلول تاريخ 22 يناير المقبل، ليمثل هذا الموعد نهاية رسمية لسنوات من الضغوط السياسية والتشريعية التي مارستها واشنطن لإجبار الشركة الصينية على التخارج، مما يمهد الطريق لاستقرار العمليات التجارية بعيداً عن شبح الإغلاق المفاجئ.

تنتظر الأوساط الاقتصادية حالياً القرار النهائي من الجهات التنظيمية في بكين، حيث لم تصدر الحكومة الصينية بعد موافقتها الرسمية على تفاصيل الاتفاقية، وهو ما يضع الصفقة في مرحلة ترقب حذر رغم التوقعات الإيجابية التي تسود أروقة مكاتب تيك توك في لوس أنجلوس وسنغافورة.

تساهم هذه التسوية التاريخية في إزالة أحد أبرز نقاط الخلاف التقني بين القوتين العظميين، في ظل التوترات المستمرة حول قضايا الأمن السيبراني وحماية الخصوصية، ويأمل المستثمرون أن يؤدي هذا الاستقرار إلى طفرة جديدة في أرباح الشركة وقدرتها على الابتكار في مجال الفيديوهات القصيرة.

توازن القوى

يمنح الاتفاق الجديد شركة أوراكل دوراً محورياً في حماية وتخزين بيانات المستخدمين الأميركيين على خوادم محلية، مما يضمن عدم خروج المعلومات الحساسة خارج الحدود، وهو المطلب الذي طالما نادت به لجان الاستخبارات في الكونغرس كشرط أساسي لاستمرار عمل التطبيق في البلاد.

يعزز دخول سيلفر ليك وإم جي إكس من الملاءة المالية للمشروع الجديد، مما يتيح لتيك توك المنافسة بقوة أكبر في سوق التجارة الإلكترونية ضد عمالقة مثل أمازون، حيث يسعى التطبيق لتحويل المشاهدات المليونية إلى عمليات شراء مباشرة ترفع من قيمته السوقية الإجمالية في الأعوام القادمة.

نجاح هذا النموذج الإداري المشترك قد يصبح مثالاً يحتذى به للشركات التقنية العابرة للحدود، فالبقاء في السوق الأميركي تطلب تضحيات كبيرة في حصص الملكية، لكنه ضمن بقاء العلامة التجارية الأسرع نمواً في العالم على قيد الحياة الرقمية وسط الأمواج السياسية المتلاطمة.