الأحد، 21 ديسمبر 2025

05:22 م

اتهامات جنائية تلاحق شات جي بي تي في أروقة المحاكم الأمريكية

ChatGPT

ChatGPT

ياسين عبد العزيز

A A

تفتح المحاكم الأمريكية ملفاً قضائياً شائكاً يضع تقنيات الذكاء الاصطناعي في قفص الاتهام، حيث يواجه عمالقة التكنولوجيا مثل أوبن إيه آي ومايكروسوفت اتهامات مباشرة بالتسبب في مقتل سيدة ثمانينية، إثر تفاعل تقني وصفه الادعاء بالخطير وغير المسؤول مع شخص يعاني من اضطرابات نفسية حادة أدت لنهاية مأساوية للضحية،

تكشف أوراق الدعوى المرفوعة أمام المحكمة العليا في مدينة سان فرانسيسكو تفاصيل صادمة حول تداعيات الاعتماد على الأنظمة البرمجية، إذ تشير التقارير الصحفية الصادرة عن وول ستريت جورنال إلى أن ورثة الضحية يحملون هذه الشركات مسؤولية أخلاقية وقانونية، معتبرين أن تطبيق شات جي بي تي قد تجاوز حدود الدعم الفني ليصبح شريكاً في تفاقم الحالة الذهنية للجاني،

يصف المدعون في مذكرتهم القانونية أن المشكلة لا تكمن في مجرد خطأ تقني عابر أو ثغرة أمنية يمكن معالجتها بتحديث بسيط، بل يرون أن المنتج يعاني من خلل بنيوي وجوهري يجعله أداة فتاكة في يد الأشخاص الذين يعانون من انفصام أو أوهام بارانوية، مما يحول المحادثات الرقمية إلى وقود يشعل فتيل العنف الجسدي في الواقع المعاش،

فاجعة إنسانية

ترتكز القضية على قصة مأساوية بطلها شتاين إريك سولبرغ الذي كان يعمل مديراً تقنياً في ولاية كونيتيكت قبل أن تهوي حياته في غياهب المرض، حيث عاش هذا الرجل الخمسيني مع والدته المسنة في عزلة فرضتها عليه أوهامه المتزايدة، ليجد في الذكاء الاصطناعي رفيقاً لم يكن يدرك أنه سيسرع من وتيرة انهياره العصبي والنفسي بشكل كارثي،

يعاني سولبرغ بحسب ملفات التحقيق من ضلالات اضطهادية قديمة جعلته يعتقد بوجود مؤامرات تحاك ضده من أقرب المقربين إليه، وهذا ما دفعه للجوء إلى الروبوتات المحادثة بحثاً عن تأكيد لشكوكه السوداوية، بدلاً من البحث عن علاج طبي متخصص، الأمر الذي حول المنصة الرقمية إلى مرآة تعكس وتضخم مخاوفه المرضية التي انتهت بجريمة قتل بشعة،

ينتهي السرد المأساوي بقيام سولبرغ بإنهاء حياة والدته التي بلغت من العمر ثلاثة وثمانين عاماً قبل أن يقرر وضع حد لحياته منتحراً، وهي النتيجة التي يرى الورثة أنها لم تكن لتحدث لولا الدعم المعنوي "الزائف" الذي كان يتلقاه من الخوارزميات، والتي فشلت في رصد إشارات الخطر الواضحة التي كانت تبرز خلال جلسات الدردشة الطويلة والمكثفة،

تعزيز الأوهام

توضح لائحة الاتهام الموجهة ضد الشركات المطورة أن الذكاء الاصطناعي لم يكتفِ بمجرد الاستماع السلبي لتخيلات الرجل المريض، بل قام بتعزيز تلك الأوهام الجنائية عبر إجابات توحي بالثقة والمصداقية، فعندما عبّر الرجل عن خوفه من تعرضه للتسميم على يد والدته، جاء رد الروبوت ليؤكد له أنه ليس مجنوناً وأن مخاوفه قد تكون في محلها،

يؤكد الخبراء القانونيون المشاركون في القضية أن هذا النوع من الردود يمثل قمة الخطورة التقنية، حيث يتم برمجة النماذج اللغوية لتكون "متملقة" وتحاول إرضاء المستخدم بشتى الطرق، وهذا التملق الرقمي أدى في هذه الحالة إلى منح الشرعية لأفكار إجرامية نابعة من خلل عقلي، مما منع الجاني من التفكير في مراجعة الأطباء أو طلب المساعدة،

يمارس النظام البرمجي نوعاً من المحاكاة العاطفية التي تفتقر إلى البصيرة البشرية أو المعايير الأخلاقية الصارمة عند التعامل مع المحتوى الحساس، وهذا ما وصفه المدعون بأنه عيب تصنيعي في المنتج، حيث أن غياب الفلاتر النفسية التي تميز بين الاستفسارات العادية وبين الهذيان المرضي يجعل من التقنية وسيلة مساعدة على ارتكاب الجرائم دون قصد مباشر،

يشكل هذا الخلل الهيكلي في نماذج اللغة الحديثة تحدياً كبيراً للمبرمجين الذين يسعون لجعل الذكاء الاصطناعي يبدو ودوداً، فالميل الدائم لتأكيد تصريحات المستخدمين يجعل الروبوت يوافق على أي ادعاء حتى لو كان منافياً للمنطق، وهذا ما حدث مع سولبرغ الذي وجد في شات جي بي تي الحليف الذي يصدقه بينما كان الجميع من حوله يحاولون تنبيهه لخطئه،

ملاحقة قضائية

تنظر المحكمة حالياً في الحجج التي قد تغير وجه القانون الرقمي في الولايات المتحدة والعالم أجمع، حيث يحاول المحامون تجاوز المادة مئتين وثلاثين التي تحمي المنصات الإلكترونية من المسؤولية عن محتوى الطرف الثالث، مجادلين بأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد وسيط لنقل المعلومات بل هو منتج نشط يقوم بتوليد محتوى جديد وفريد ومستقل،

يستند الدفاع عن الضحايا إلى فكرة أن الخوارزمية هي "المؤلف" الفعلي للإجابات التي حرضت الجاني بشكل غير مباشر على جريمته، وبالتالي لا يمكن للشركات التذرع بحصانة المنصات التقليدية التي لا تتدخل في صياغة المحتوى، مما يضع OpenAI ومايكروسوفت أمام مسؤولية قانونية مباشرة عن الأضرار الجسدية والنفسية التي يتسبب فيها منتجهم الذكي،

يرفض المدعون الادعاءات التي تقول بأن الذكاء الاصطناعي مجرد آلة صماء، بل يطالبون بفرض معايير أمان صارمة تشبه تلك المفروضة على الأدوية والمعدات الطبية، خاصة وأن هذه البرامج باتت تستخدم كمستشارين نفسيين من قبل الملايين، مما يستوجب وجود آليات فورية لرصد الميول الانتحارية أو العدوانية وإيقاف الحوار وتوجيه المستخدم لجهات الاختصاص،

يترقب قطاع التكنولوجيا العالمي قرار المحكمة الذي قد يفرض قيوداً ثقيلة على تطوير الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، فإذا قبل القاضي منطق الدعوى، ستضطر الشركات لإعادة تصميم أنظمتها بالكامل لتجنب "التملق الرقمي"، وسيكون لزاماً عليها تحمل كلف قانونية باهظة عن كل سوء فهم قد يؤدي إلى ضرر واقعي، مما قد يبطئ من وتيرة الابتكار السريع،

ينقسم الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد لتحميل الشركات المسؤولية وبين معارض يراها محاولة لخلق كبش فداء، حيث يرى البعض أن الجنون البشري لا يمكن التنبؤ به دائماً بواسطة الآلة، بينما يعتقد آخرون أن الشركات التي تجني مليارات الدولارات من هذه التقنيات يجب أن تضمن عدم تحولها إلى أدوات قتل في يد المضطربين،

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً