الخميس، 01 مايو 2025

11:25 ص

tru

لماذا لا يستطيع الذكاء الاصطناعي التفوق على البشر في مجال الكتابة الإبداعية؟

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي

ياسين عبد العزيز

A A

يعود تاريخ تطوير الذكاء الاصطناعي إلى عدة عقود من الزمن، حيث وضع عالم الرياضيات الشهير كلود شانون في عام 1948 الأساس لفكرة نمذجة اللغة البشرية باستخدام النماذج الاحتمالية. 

على الرغم من أن هذه الفكرة واجهت رفضًا من بعض العلماء في البداية، إلا أنها شكلت نقطة انطلاق مهمة تطورت معها التقنيات لاحقًا لتصل إلى ما نراه اليوم في نماذج مثل ChatGPT، لكن رغم التقدم المذهل الذي أحرزته هذه النماذج في مجال توليد النصوص، إلا أن السؤال يبقى قائمًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي التفوق على البشر في الكتابة الإبداعية؟

الذكاء الاصطناعي واللغة البشرية

تتمثل أحد أبرز إنجازات الذكاء الاصطناعي الحديثة في نماذج اللغة الكبيرة مثل ChatGPT و Gemini التي تم تدريبها على مجموعات ضخمة من البيانات المتاحة على الإنترنت. 

وقد مكّن هذا التدريب النماذج من التعرف على الأنماط اللغوية والقواعد النحوية والعلاقات المعنوية بين الكلمات، لكن عملية توليد النصوص التي تعتمد عليها هذه النماذج لا تقتصر على فهم الكلمات بمفردها، بل تتضمن التنبؤ بالكلمات التي يُحتمل أن تتبع بعضها في جمل معينة بناءً على احتمالية وقوعها في سياقات مشابهة.

الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي

رغم قدرة النماذج اللغوية الكبيرة على توليد نصوص تبدو منطقية ومتماسكة، فإن هذه النصوص تفتقر إلى الجوهر الإبداعي البشري، ففي حين أن النماذج اللغوية الكبيرة يمكنها محاكاة الأسلوب الذي يعتمده البشر في الكتابة، فإنها في جوهرها تعيد إنتاج محتوى مكرر بناءً على البيانات التي تم تدريبها عليها، يمكننا وصف هذه النماذج بأنها "ببغاوات عشوائية" تعيد إنتاج الأفكار التي تكررت في البيانات، دون إضافة رؤية أو فكرة جديدة، وهو ما يجعل الفرق بين الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي واضحًا.

التحديات في محاكاة الإبداع البشري

لكل كاتب إبداعه الخاص الذي يعكس رؤيته الشخصية وأفكاره الفريدة، وهذا يميز الكتابة البشرية عن تلك التي تنتجها النماذج اللغوية، عندما يكتب الإنسان، يضع في اعتباره رسائل دقيقة ومعاني محددة، ويستخدم أسلوبًا يعكس شخصيته وتجربته الحياتية، من جهة أخرى، لا يمكن للنماذج اللغوية الكبيرة فهم هذه الرؤى الشخصية أو استيعاب الأسلوب الفريد للكتابة كما يفعل البشر.

وفي حالة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي من قبل كاتب لإنتاج نصوص، فإنه يبدأ بتوجيه الآلة عبر "مطالبة نصية" أو "Prompt" تتضمن أفكاره وأهدافه الإبداعية، ولكن عندما تكون المطالبة غير دقيقة أو غامضة، فإن الآلة تقوم بتوليد نصوص قد تكون متوافقة مع الأفكار العامة، ولكنها تفتقر إلى التفاصيل الدقيقة التي يطلبها الكاتب، وإذا كان النص الناتج لا يتماشى مع الرؤية الإبداعية للكاتب، فإنه سيكون من الضروري التدخل البشري لتصحيح المسار.

النماذج اللغوية والتحديات في محاكاة الإبداع

تسعى النماذج اللغوية الكبيرة إلى محاكاة نمط الكتابة العشوائي، أي الأسلوب الذي قد يتبعه شخص عادي من مجموعة البيانات التي تم تدريب النموذج عليها، ولكن معظم الكتاب المبدعين يسعون لتحقيق شيء أعمق من مجرد محاكاة أسلوب عشوائي، يريدون نقل رؤاهم الشخصية والتعبير عن أفكارهم الخاصة التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدها أو حتى محاكاتها بدقة.

الذكاء الاصطناعي، مهما تطور، يظل محدودًا في محاكاة هذا النوع من الإبداع البشري الأصيل، فحتى إذا كانت النماذج اللغوية تولد نصوصًا منطقية ومتسقة، فإنها تفتقر إلى اللمسة البشرية التي تجعل الكتابة إبداعية ومؤثرة، هذا الفرق الجوهري هو ما يجعل الكتابة البشرية لا يمكن أن يتم تقليدها بالكامل بواسطة الآلات.

الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة لا كبديل

على الرغم من القيود الواضحة التي تواجه الذكاء الاصطناعي في مجال الكتابة الإبداعية، إلا أن هذه النماذج يمكن أن تكون أدوات مساعدة فعالة للكُتّاب، من خلال استخدامها بشكل مدروس، يمكن للكتّاب الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحسين بعض جوانب كتاباتهم أو توليد أفكار جديدة قد تثير إبداعهم، لكن هذا لا يعني أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل الإبداع البشري، فعلى العكس، يجب أن يُنظر إليه كأداة لدعم الكتابة وليس كبديل لها.

في النهاية، يظل الإبداع البشري هو العنصر الأساسي الذي يميز الكتابة الفريدة والمعبرة عن الذات، ورغم أن الذكاء الاصطناعي قد يكون قادرًا على محاكاة بعض جوانب اللغة والتوليد اللغوي، فإن القدرة على تقديم رؤى جديدة وتعبير فني لا يمكن أن يكون له بديل إلا من خلال عقل الإنسان ووجدانه.

search

أكثر الكلمات انتشاراً