الجمعة، 09 مايو 2025

12:44 م

tru

كيف تُعيد الأجهزة الذكية رسم ملامح الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي

ياسين عبد العزيز

A A

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها عالم التقنية، يتبلور في الأفق نموذج جديد من الذكاء الاصطناعي، لا يكتفي بالبقاء خلف الشاشات، بل يتجاوزها إلى التفاعل الحي والمباشر مع العالم المادي المحيط بنا، فالمستقبل الذي كنا نقرأ عنه في أدبيات الخيال العلمي قد بدأ يتحقق تدريجيًا على أرض الواقع، بدفع من ابتكارات الأجهزة القابلة للارتداء، وتقدم الحوسبة المكانية، وتكامل تقنيات الواقع الممتد (XR) مع أنظمة الذكاء الاصطناعي.

تفاعل مباشر

لم يعد الذكاء الاصطناعي محصورًا داخل البرمجيات التقليدية، بل نشهد اليوم صعود ما يعرف بـ"الذكاء المتجسد"، وهو شكل من أشكال الذكاء الصناعي القادر على الإدراك والتفاعل والاستجابة للمتغيرات البيئية في الوقت الحقيقي. 

هذا النوع الجديد من الذكاء لا يعتمد فقط على قوة الخوارزميات، بل يتطلب توافر بنية تحتية تقنية جديدة كليًا، تتمثل في أجهزة ذكية مزودة بمستشعرات دقيقة وواجهات تفاعلية طبيعية. 

وبدلًا من الاعتماد على النقر أو اللمس، يتجه هذا الذكاء إلى الاستجابة للإيماءات، وتتبع العين، والتفاعل الصوتي المدعوم بالسياق، بل وحتى إشارات اللمس الدقيقة.

شركات التقنية الكبرى أدركت مبكرًا أهمية هذا التحول، فنجد مثلًا شركة OpenAI توسع اهتماماتها لتشمل نظارات الواقع المعزز والأجهزة الشخصية الذكية، بينما تستثمر شركة Meta بثبات في تطوير نظارات ذكية تُمكّن من التفاعل اللحظي بين المستخدم والذكاء الاصطناعي.

دمج العالمين

في قلب هذه الثورة التقنية الجديدة تكمن الحوسبة المكانية، وهي تقنية قائمة على فهم الأبعاد الثلاثية للمكان الذي يتحرك فيه الإنسان والتفاعل معه بذكاء، هذا النموذج، الذي يجمع بين الرؤية الحاسوبية المتقدمة، وتحليل البيانات البيئية، والذكاء الاصطناعي، يسمح بإنشاء واجهات تفاعلية فائقة الطبيعة، تربط العالمين الواقعي والرقمي في تجربة سلسة ومترابطة، فبدلًا من أن يتأقلم الإنسان مع الآلة، أصبحت الآلة تفهم الإنسان ومحيطه، وتتكيف معه.

الذكاء الاصطناعي

أهمية هذا التحول لا تتوقف عند حدود التطبيقات الترفيهية أو أدوات الإنتاجية، بل تمتد لتشمل الصحة، والتعليم، والتجارة، والاتصالات، حيث أصبحت الأجهزة الذكية أدوات إدراك واستشعار، قادرة على تفسير حركات الجسم والتعبيرات الطبيعية وتوفير استجابات لحظية، تعزز من فاعلية الذكاء الاصطناعي وتجعل تفاعله مع الإنسان أكثر عمقًا وواقعية.

صعود الوكلاء

واحدة من أبرز نتائج هذا التحول تتمثل في صعود "وكلاء الذكاء الاصطناعي"، وهم أنظمة ذكية قادرة على اتخاذ قرارات لحظية مستقلة، والعمل جنبًا إلى جنب مع البشر لتحقيق أهداف محددة. 

ويأتي دور الأجهزة القابلة للارتداء هنا محوريًا، إذ تُمكّن هذه الوكلاء من مراقبة البيئة باستمرار، والتكيف مع التغيرات، وتقديم المساعدة الذكية للمستخدم بناءً على فهم السياق والموقع والنوايا.

توقعات قادة الصناعة تدعم هذه الرؤية، فالرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جنسن هوانج، أشار خلال مؤتمر CES 2025 إلى أن وكلاء الذكاء الاصطناعي سيلعبون دورًا رئيسيًا في المستقبل القريب. 

كما ذهب المستثمر البارز فينود خوسلا إلى حد القول بأن سوق الروبوتات البشرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي قد يتفوق على صناعة السيارات بأكملها.

وتُعد نظارات الواقع المعزز، والخواتم الذكية، والساعات المزودة بمستشعرات حيوية، أمثلة واضحة على كيفية تنفيذ هذه الرؤية اليوم، إذ يمكن لهذه الأجهزة تقديم بيانات غنية وفورية للذكاء الاصطناعي، ما يعزز قدرته على الفهم والاستجابة والتفاعل، ليصبح شريكًا حقيقيًا في حياة الإنسان، وليس مجرد أداة.

ثورة قادمة

تقود هذه الابتكارات المتسارعة إلى إعادة تعريف طبيعة الذكاء الاصطناعي، وتغيير طريقة تفاعلنا مع الآلات من الأساس، فلم نعد نتحدث عن ذكاء داخل الشاشات، بل عن أنظمة ذكية تحيط بنا، وتشاركنا تفاصيل يومنا لحظة بلحظة، وتندمج مع أجسادنا وبيئاتنا، لتمنحنا مستوى غير مسبوق من الدعم والمساعدة.

نحن إذًا أمام ولادة حقبة جديدة من الحوسبة، تتسم بالتعدد والتكامل، وتجمع بين العالم المادي والرقمي في تجربة واحدة غامرة وذكية، وهذه الحقبة، التي يقودها صعود الأجهزة القابلة للارتداء، وتطور الحوسبة المكانية، وظهور وكلاء الذكاء الاصطناعي، تُنذر بثورة صناعية جديدة، سيكون الذكاء الاصطناعي فيها حاضرًا في كل لحظة، ومتفاعلًا في كل مكان، ومتكاملًا مع كل شيء.

search

أكثر الكلمات انتشاراً