الإبداع البشري في مفترق طرق.. هل يُغنيه الذكاء الاصطناعي أم يُقصيه؟

الذكاء الاصطناعي
ياسين عبد العزيز
مع بزوغ فجر ثورة معرفية جديدة، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة لمحاكاة الإدراك البشري، بل تحوّل إلى قوة تقنية هائلة تعيد رسم ملامح الإبداع والعمل والتفكير في مختلف القطاعات.
وبينما فتحت أدوات مثل ChatGPT وGemini وClaude آفاقًا جديدة للإنتاج المعرفي، فإنها تطرح في الوقت ذاته تحديات وجودية حول طبيعة الإبداع الإنساني، ومستقبل المهارات، وأهمية الأصالة في عالم تقوده الخوارزميات.
ثورة جديدة
كما أحدثت الثورة الصناعية الأولى تحوّلات جذرية في الاقتصاد والعمل من خلال الميكنة، نشهد اليوم ثورة معرفية لا تقل عنها زخمًا، تقودها الخوارزميات والأنظمة الذكية، فقد استُبدلت الأدوات اليدوية بالمصانع، والآن تُستبدل المهارات الذهنية بمنصات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
يستخدم مصممو الجرافيك هذه الأدوات لتوليد مئات النماذج خلال دقائق، بينما يعتمد عليها الطلبة لكتابة المقالات، ويستخدمها المبرمجون لإنجاز الشفرات البرمجية بسرعة فائقة. لكن هل تؤدي هذه الأدوات إلى إثراء التفكير، أم إلى تسطيحه؟
يبدو أن ما بدأ كأداة مساعدة أصبح يُهدد بأن يصبح معيارًا جديدًا للإنتاج المعرفي، وهو معيار “الجيد بما يكفي”، ومع وفرة المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، يُخشى أن يتراجع التقدير للعمق والتجريب والصبر الذي يتطلبه الإبداع البشري الحقيقي، في مقابل السرعة والكم.
جودة ضائعة
تكمن المفارقة في أن أدوات الذكاء الاصطناعي ليست مبدعة فعلًا، بل تعيد ترتيب ما تم إنشاؤه سابقًا بناءً على أنماط إحصائية، وهذا ما يجعل مخرجاتها – رغم كفاءتها الظاهرية – تفتقر غالبًا إلى الأصالة، فهي لا تفكر، بل تتوقع الكلمة أو الجملة التالية.
ولا تخترع، بل تعيد تشكيل ما كان موجودًا أصلًا، ومن هنا، فإن الخطر لا يكمن في سوء استخدام هذه الأدوات فحسب، بل في الرضى الجمعي برداءة إنتاجها، وقبولها كمعيار إبداعي جديد.

وقد رُصد في تجارب علمية كيف أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتوليد الأفكار الإبداعية يمكن أن يؤدي إلى تقليل التنوع الفكري، والاتجاه نحو حلول متوقعة ومألوفة، في مقابل إهمال الأفكار الجريئة أو غير التقليدية، فبينما ساهمت هذه الأدوات في تحسين الأداء لدى بعض المستخدمين، كشفت الدراسات عن فقدان تدريجي لقدرتهم على التفكير النقدي، وازدياد تبعيتهم لحلول تولدها الخوارزميات، حتى في غياب الأداة نفسها.
أصالة مهددة
ليس الذكاء الاصطناعي "عدوًا" للإبداع البشري، لكنه قد يتحول إلى قيد إذا لم يُستخدم بوعي، فالاستخدام المفرط له قد يُنتج حلقة مغلقة من المحتوى المعاد، ويُفضي إلى توحيد في أنماط التفكير والتعبير، مما يقود تدريجيًا إلى تآكل الخصوصية الثقافية والفردية.
وقد أظهرت دراسات أن الأنظمة التوليدية تميل إلى عكس قيم الدول الغنية الناطقة بالإنجليزية، ما يعني أن تنوّع الأفكار الناتج عنها محدود ومتحيز، وقد يسهم في طمس الفروق الثقافية العالمية على المدى الطويل.
غير أن الأمر لا يخلو من فرص أيضًا، إذ يتيح الذكاء الاصطناعي إمكانات غير مسبوقة من التعاون بين الإنسان والآلة، ويفتح آفاقًا جديدة للتجريب، ويمنح المبدعين أدوات لتجاوز حدود الخيال التقني، لكنه لا يستطيع - ولا ينبغي له - أن يكون بديلاً عن الإنسان. فالإبداع الحقيقي لا يقتصر على تجميع البيانات، بل يتطلب خبرة، ومشاعر، وتجربة إنسانية متراكمة.
مسؤولية مشتركة
أمام هذا المنعطف الحاسم، تقع مسؤولية توجيه هذه الثورة التقنية على عاتق صناع القرار والمربين والمبدعين أنفسهم، فالمستقبل ليس محتمًا، بل رهن بالقرارات التي نتخذها اليوم بشأن كيفية دمج هذه الأدوات في حياتنا المعرفية والمهنية.
وبدلًا من تسليم زمام المبادرة للآلة، علينا إعادة النظر في القيم التي نرغب في الحفاظ عليها، وفي نوعية الإبداع الذي نريد دعمه.
تمامًا كما أنتجت الثورة الصناعية أشكالًا جديدة من الوظائف والفنون والابتكارات، يمكن للثورة المعرفية أن تُطلق عصرًا ذهبيًا جديدًا للإبداع البشري – إذا ما أُديرت بعناية، فالخطر لا يكمن في الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في مدى قدرتنا على استخدامه بوصفه حليفًا، لا بديلًا، لعقل الإنسان وخياله وقدرته على التجاوز.
أخبار ذات صلة
أحدث الموبايلات
-
Apple iPhone 13 Pro Max
-
Xiaomi Redmi Note 11
-
Samsung Galaxy A52s
-
OPPO Reno6 Pro 5G
-
realme GT2 Pro
-
vivo Y19
-
Honor 50 Pro
-
Huawei Nova 9
-
Nokia 8.3 5G
هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟
-
نعم
-
لا
-
غير مهتم
أكثر الكلمات انتشاراً