الإثنين، 18 أغسطس 2025

02:33 م

tru

تقييم نقدي يكشف حقيقة قدرات نموذج “GPT-5”

GPT-5

GPT-5

ياسين عبد العزيز

A A

بعد ضجة واسعة رافقت إعلان شركة (OpenAI) عن إطلاق نموذجها الجديد (GPT-5)، وتقديمه كخطوة غير مسبوقة نحو الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، بدأت تظهر تساؤلات جادة حول مدى صحة هذه الادعاءات، ومدى واقعية التوقعات التي نسجت حول النموذج الذي وُصف بأنه الأكثر تقدمًا في تاريخ الشركة. 

ففي الوقت الذي يرى فيه الرئيس التنفيذي للشركة، سام ألتمان، أن هذا الإصدار يمثل قفزة كبيرة نحو مستقبل تحكمه الآلات الذكية، يكشف تقييم نقدي أجرته مجموعة من الباحثين والخبراء عن صورة أكثر تعقيدًا، تتراوح بين التحسينات التقنية المحدودة والإخفاقات الواضحة في اختبارات الاستدلال العميق.

قدرات معلنة

بحسب تصريحات ألتمان، يتميز (GPT-5) بتحسينات بارزة عن سابقيه، لاسيما في مجال كتابة الأكواد البرمجية بدقة أكبر، وتقليل ظاهرة “الهلوسة” التي كانت تمثل إحدى أبرز مشكلات النماذج السابقة، إذ أصبح أكثر التزامًا بالتعليمات وأكثر قدرة على معالجة الأوامر المتعددة. 

كما يشير مطورو الشركة إلى أن النموذج أصبح أكثر أمانًا وأقل ميلًا لتقديم معلومات مضللة لمجرد إرضاء المستخدم. 

ويصف ألتمان هذا الإصدار بأنه الأقرب إلى فكرة “المساعد الخبير” الذي يمكن الاعتماد عليه كما لو كان شخصًا يحمل درجة الدكتوراه في أي مجال.

GPT-5

لكن هذا الانطباع الإيجابي لم يكن محل إجماع، فقد عبر عدد من المستخدمين الأوائل عن خيبة أملهم من أداء النموذج في بعض المهام الإبداعية مثل الكتابة الأدبية، بينما أكد آخرون أن الفجوة بينه وبين نماذج منافسة من شركات مثل جوجل أو أنثروبيك لم تُردم كما كان متوقعًا.

قيود واضحة

ورغم هذه التحسينات، لا يزال (GPT-5) يعاني من قيود جوهرية تحول دون اعتباره قفزة نوعية، إذ يفتقر إلى القدرة على التعلم من تجاربه الخاصة، ويظهر ضعفًا واضحًا في فهم العالم المادي. 

وقد برز هذا القصور عندما فشل النموذج في رسم خريطة صحيحة لأمريكا الشمالية، ما يعكس محدودية قدرته على إدراك السياق الواقعي.

كما أظهرت الاختبارات العلمية المعقدة، مثل اختبار (Humanity’s Last Exam)، أن النموذج لا يحقق النتائج المرجوة، إذ لم يتجاوز معدل دقته 42%، بينما سجل منافسه المباشر (Grok 4) من شركة (xAI) نسبة 44%. 

وتثير هذه النتائج شكوكًا حول قدرة النموذج على ممارسة التفكير المنطقي العميق، وهو عنصر أساسي لتحقيق الذكاء الاصطناعي العام.

ابتكار تقني

يرتكز الابتكار المعلن في (GPT-5) على إدخال آلية جديدة أطلق عليها اسم (الموجّه اللحظي الذكي) Real-Time Router، وهي تقنية تهدف إلى تحديد النموذج الأنسب من بين مجموعة نماذج متعددة للإجابة عن سؤال معين، وتعمل على توزيع الجهد الحسابي وفقًا لتعقيد المهمة. 

وتطرح الشركة أن هذه الآلية تمنح النموذج مرونة أعلى وقدرة على الاستجابة بطريقة أكثر فاعلية.

غير أن الغموض يحيط بهذه التقنية، إذ لم تكشف (OpenAI) عن تفاصيل جوهرية تتعلق بآلية عملها أو طبيعة البيانات التي جرى تدريبها عليها، ما فتح الباب أمام تكهنات بأن الأمر قد لا يتعدى تحسينًا في طريقة إدارة النماذج الحالية بدلًا من تقديم خوارزميات جديدة كليًا. 

ويذهب بعض الخبراء إلى اعتبار هذه التقنية مجرد إعادة صياغة محسنة تمنح انطباعًا بوجود استدلال أعمق بينما هي في الواقع عملية تنظيم متقدمة للموارد الحسابية.

صناعة متحولة

يرى محللون أن إدخال تقنية (الموجّه) قد يكون انعكاسًا لمرحلة جديدة في تطور الذكاء الاصطناعي، مرحلة تتسم بالبحث عن طرق مبتكرة لتعويض عجز النماذج الضخمة عن تجاوز حدودها الحالية، فمنذ اكتشاف بنية (المحولات) Transformers عام 2017، حققت النماذج اللغوية الكبيرة إنجازات لافتة في محاكاة اللغة البشرية، لكنها لا تزال تعتمد على مبدأ احتمالي بسيط في توليد النصوص، أشبه بجداول ضخمة تربط بين المدخلات والمخرجات.

ورغم النجاح الهائل الذي حققته هذه النماذج، يظل الجدل قائمًا حول مدى قدرتها على تطوير استدلال حقيقي أو اكتساب معرفة مستقلة من التجارب. 

ومن هنا يبرز سؤال جوهري: هل يمثل (GPT-5) فعلًا بداية مرحلة جديدة تقربنا من الذكاء الاصطناعي العام، أم أنه مجرد محطة أخرى في سلسلة تحسينات تدريجية ستظل محكومة بقيود البنية الحالية؟

نهاية عصر؟

يذهب بعض الباحثين إلى أن ظهور تقنية (الموجّه) قد يكون إقرارًا ضمنيًا من (OpenAI) بأن عصر النماذج اللغوية الضخمة يقترب من نهايته، وأن البحث عن بنى جديدة أكثر وضوحًا وقابلية للتفسير أصبح ضرورة. 

وهذا يعيد إلى الأذهان مفهوم “الاستدلال الماورائي” Meta-reasoning الذي ساد في تسعينيات القرن الماضي، والذي يقوم على تقسيم المشكلات الكبرى إلى مهام أصغر يمكن حلها بأنظمة متخصصة.

وبينما قد لا يكون (GPT-5) القفزة المنتظرة نحو الذكاء الاصطناعي العام، إلا أن إطلاقه قد يمثل نقطة انعطاف تدفع الصناعة إلى إعادة التفكير في مساراتها المستقبلية، والبحث عن أنظمة أكثر شفافية يمكن للبشر فهمها والسيطرة عليها. 

search

أكثر الكلمات انتشاراً