شركات المحمول تتحدى البنوك وتعيد تشكيل خريطة المعاملات الرقمية في مصر

يشهد السوق المصري سباقًا محمومًا بين شركات المحمول الكبرى والبنوك المحلية، في محاولة للسيطرة على مستقبل المدفوعات الإلكترونية، عبر تقديم خدمات المحافظ الذكية وحلول الدفع الرقمي، ولم يعد الأمر مجرد تنافس على استقطاب العملاء، بل تحول إلى معركة نفوذ اقتصادي ضخمة، مدعومة باستثمارات بمليارات الجنيهات، تعكس حجم الرهان على التحول الرقمي في البلاد.

في قلب هذه المنافسة، تبرز شركات المحمول الأربع الكبرى، وهي فودافون وأورانج واتصالات والمصرية للاتصالات، حيث نجحت جميعها في تطوير منظومات دفع إلكتروني متكاملة، تستقطب ملايين المستخدمين يوميًا، بينما على الجانب الآخر تقف البنوك التقليدية، وفي مقدمتها البنك الأهلي المصري وبنك مصر، محاولة الدفاع عن حصتها في السوق من خلال إطلاق محافظ إلكترونية تنافس بقوة وتستند إلى خبرتها العريقة في الخدمات المصرفية.

فودافون كاش

تعد شركة فودافون مصر لاعبًا رئيسيًا في هذا المضمار، إذ تتجاوز استثماراتها في السوق المحلي 45 مليار جنيه منذ دخولها، ويعمل بها أكثر من 9 آلاف موظف مباشر، إضافة إلى آلاف آخرين عبر وكلاء وموزعين.

وتقدم الشركة عبر محفظتها الشهيرة "فودافون كاش" خدمات متقدمة لتحويل الأموال وسداد الفواتير والشحن، وقد تجاوز عدد مستخدميها النشطين 12 مليون عميل، ما يجعلها الأكثر انتشارًا على مستوى المحافظ الإلكترونية في مصر.

أورانج كاش

أما أورانج مصر، التي تجاوزت استثماراتها 35 مليار جنيه، فتواصل تطوير بنيتها التحتية وتوسيع نطاق خدماتها الرقمية، إذ يعتمد نحو 8 ملايين عميل على محفظتها الإلكترونية "أورانج كاش"، التي تتيح الدفع اللحظي وسداد الالتزامات اليومية بسهولة.

وتدعم الشركة هذا الانتشار بوجود أكثر من 4 آلاف موظف مباشر، إضافة إلى كوادر مراكز خدمة العملاء المنتشرة في مختلف المحافظات.

اتصالات كاش

من جانبها، ضخت اتصالات مصر (e& Egypt) استثمارات تفوق 20 مليار جنيه لتعزيز موقعها في السوق، مركزة على خدمات الإنترنت المنزلي وتقنيات الفايبر إلى جانب التحول الرقمي، فيما تلعب محفظة "اتصالات كاش" دورًا محوريًا في هذا التوجه، إذ يستخدمها ملايين العملاء في تحويل الأموال وسداد الفواتير إلكترونيًا، ويعمل بالشركة أكثر من 5 آلاف موظف لدعم هذا التوسع.

WE Pay

بدورها، تعتمد المصرية للاتصالات (WE) على ثقلها الكبير في قطاع البنية التحتية للاتصالات والإنترنت، باستثمارات تجاوزت 40 مليار جنيه، ويعمل بها أكثر من 50 ألف موظف.

وتسعى الشركة لتعزيز دور محفظتها "WE Pay"، التي تشهد نموًا متسارعًا ضمن منظومة الدفع الرقمي، مستفيدة من توسع خدمات الإنترنت الأرضي والكابلات البحرية الدولية التي تديرها.

البنوك تدخل السباق

في المقابل، لم تقف البنوك مكتوفة الأيدي أمام هذا التوسع غير المسبوق لشركات المحمول، حيث طور البنك الأهلي المصري محفظته "Phone Cash"، التي تشهد معاملات سنوية تتجاوز 60 مليار جنيه، ويعتمد عليها أكثر من 11 مليون مستخدم.

فيما واصل بنك مصر تعزيز خدماته الرقمية عبر محفظة "BM Wallet"، التي تتجاوز تعاملاتها 30 مليار جنيه سنويًا وتخدم أكثر من 6 ملايين عميل، مع التركيز على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.

مستقبل الاقتصاد الرقمي

المتابعون لهذا المشهد يرون أن المنافسة بين شركات المحمول والبنوك لم تعد مجرد حرب أسعار أو عروض ترويجية، بل باتت صراعًا استراتيجيًا على النفوذ داخل الاقتصاد الرقمي المصري، إذ يراهن كل طرف على توسيع حصته من العملاء عبر منصات الدفع الإلكترونية، التي أصبحت عنصرًا أساسيًا في الحياة اليومية للمواطنين، بداية من سداد الفواتير وحتى شراء الخدمات عبر الإنترنت، وهو ما يجعل هذه المنافسة مرشحة لمزيد من التصاعد في ظل دخول الجيل الخامس وانتشار ثقافة الدفع غير النقدي.

في النهاية، يبدو أن المستفيد الأول من هذا السباق هو المستهلك المصري، الذي يجد أمامه خيارات متعددة وخدمات رقمية أكثر تطورًا، غير أن المشهد يشير بوضوح إلى أن السيطرة على المستقبل الرقمي لن تكون حكرًا لطرف واحد، بل ستكون نتيجة لتوازن دقيق بين خبرة البنوك العريقة وقدرات شركات المحمول التكنولوجية.