الرقائق الإلكترونية تتحول إلى ساحة صراع اقتصادي وتقني بين القوى الكبرى

تحولت الرقائق الإلكترونية إلى محور مواجهة استراتيجية بين القوى الكبرى، إذ يعتمد العالم بشكل شبه كامل على عدد محدود من الشركات لإنتاج هذه الشرائح الدقيقة، وعلى رأسها "TSMC" التايوانية و"سامسونج" الكورية، ما يجعل السيطرة على هذه الصناعة بمثابة امتلاك أداة اقتصادية وسياسية قوية، فالرقائق تدخل في كل الأجهزة اليومية، البنية التحتية الرقمية، والابتكارات التكنولوجية الحديثة.

قيود التصدير

فرضت الولايات المتحدة قيودًا صارمة على تصدير الشرائح المتقدمة إلى الصين، خصوصًا شرائح الذكاء الاصطناعي التي تنتجها "إنفيديا"، ما تسبب في خسائر اقتصادية للصين تقدر بنحو 20 مليار دولار سنويًا، لكنه دفع بكين إلى تعزيز قدراتها المحلية وتسريع تطوير بدائل للرقائق، وفي المقابل، ضخّت واشنطن استثمارات ضخمة في مصانع جديدة بولاية أريزونا بالشراكة مع "TSMC" بتكلفة تجاوزت 40 مليار دولار، لتأمين احتياجاتها الصناعية وتقليل الاعتماد على آسيا.

كما تشهد الأسواق نزاعًا على السيطرة على التقنيات الأحدث، حيث تحاول الدول الكبرى حماية مراكزها التكنولوجية من التسرب إلى منافسين محتملين، ما يزيد من حدة المواجهة الاقتصادية والسياسية في هذا القطاع الحساس.

قانون الرقائق

دخل الاتحاد الأوروبي السباق عبر "قانون الرقائق الأوروبي" الذي خصص 43 مليار يورو لدعم المصانع المحلية، مع التركيز على جذب شركات كبرى مثل "إنتل" و"جلوبالفاوندريز" لإنشاء خطوط إنتاج جديدة داخل القارة، الهدف رفع حصة أوروبا من السوق العالمي من 10% حاليًا إلى 20% بحلول 2030، وتقليل هشاشتها أمام الأزمات الجيوسياسية أو تقلبات سلسلة التوريد.

الإجراءات الأوروبية تركز على تعزيز الاكتفاء الذاتي، دعم الابتكار، وخلق فرص عمل في مجال تصنيع الرقائق، كما تمثل جزءًا من استراتيجية أوسع للاتحاد لتقليل الاعتماد على آسيا والولايات المتحدة في هذا القطاع الحيوي.

مستقبل الصناعة

الصراع على الرقائق لا يتعلق بالأرباح فقط، بل بمستقبل الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمية، وشبكات الجيل السادس، وأي تأخر في امتلاك تقنيات تصنيع الرقائق قد يضع دولة كاملة خارج سباق التكنولوجيا لعقود، ويصف اقتصاديون هذا الصراع بأنه الأخطر في القرن الحادي والعشرين، لأنه يجمع بين الاقتصاد والتكنولوجيا والجغرافيا السياسية في معادلة واحدة لا تحتمل أي تهاون.

الرقائق أصبحت حجر الزاوية لأي استراتيجية صناعية حديثة، فالدول التي تسيطر على الإنتاج لديها قدرة أكبر على الابتكار والتقدم التكنولوجي، بينما الدول الأخرى مضطرة إلى الاعتماد على الموردين الخارجيين، ما يزيد من هشاشتها أمام الأزمات أو العقوبات الدولية.