الثلاثاء، 23 سبتمبر 2025

03:54 م

tru

الذكاء الاصطناعي الطبي بين الطموحات الواعدة والمخاطر الكامنة في التطبيق العملي

الذكاء الاصطناعي الطبي

الذكاء الاصطناعي الطبي

ياسين عبد العزيز

A A

لم يعد الذكاء الاصطناعي مقتصرًا على الصناعات والأسواق المالية، بل امتد حضوره إلى قطاع الطب الذي يمثل أكثر الميادين حساسية وتأثيرًا في حياة الإنسان، فبينما ينظر البعض إلى هذه التقنية باعتبارها أداة ثورية قادرة على دعم الأطباء وتطوير وسائل التشخيص والعلاج، يحذر آخرون من المخاطر الكامنة في الاعتماد المفرط عليها، حيث قد يتحول الذكاء الاصطناعي من وسيلة مساعدة إلى عنصر يضاعف الأخطاء ويهدد حياة المرضى. 

هذه المعضلة تفتح الباب أمام نقاش واسع حول حدود التكنولوجيا الطبية وأهمية ضبطها بمعايير دقيقة توازن بين الفائدة والمخاطر.

استخدام طبي

أحد أبرز التحديات يتمثل في مسألة الإفراط أو التقصير في التعلم، حيث يمكن أن تتفوق الخوارزمية في حفظ التفاصيل إلى درجة تجعلها عاجزة عن التكيف مع اختلاف البيانات في بيئات جديدة، أو على العكس، قد تكون ضعيفة التدريب فلا تلتقط الأنماط الطبية الأساسية. 

وفي الحالتين، النتيجة واحدة، قرارات غير دقيقة تربك الطبيب وتعرض المريض لمضاعفات غير ضرورية، هذا الخلل دفع الباحثين إلى التركيز على ضرورة تدريب النماذج على بيانات متنوعة وواسعة النطاق لضمان دقة التنبؤات.

إخفاقات عملية

تجربة لافتة في جامعة أمريكية أظهرت حدود الذكاء الاصطناعي في كشف سرطان الرئة عبر صور الأشعة، ففي البداية سجل النظام دقة بلغت 97%، لكن عند اختباره في مستشفى آخر انخفضت النسبة إلى أقل من 60%. المفاجأة كانت أن الخوارزمية اعتمدت على التعرف إلى شعارات الأجهزة الطبية بدلًا من الأورام نفسها، ما يكشف عن "ذكاء زائف" لا يصمد أمام التنوع الواقعي. 

الأمر نفسه تكرر مع أنظمة تحليل تخطيطات القلب التي فشلت في كشف النوبات بدقة كافية خارج نطاق بياناتها الأصلية، إضافة إلى تجارب في طب الأسنان أدت إلى التباس بين علامات التسوس والتصبغات الطبيعية، وهو ما يوضح هشاشة النماذج غير المكتملة التدريب.

ثقة مضللة

المشكلة الأكثر خطورة تتعلق بما يُعرف بالثقة المفرطة، إذ أظهرت دراسات نُشرت في مجلات علمية مرموقة مثل Nature Medicine أن بعض النماذج تصدر نتائج خاطئة لكنها تغلفها بقدر كبير من اليقين، ما يجعل الأطباء يتعاملون معها باعتبارها حاسمة، رغم كونها مضللة. 

في بعض الحالات كادت هذه التنبؤات أن تدفع لاتخاذ قرارات جراحية خطيرة لولا تدخل الخبرة السريرية، وهنا يتجلى خطر الذكاء الاصطناعي عندما يُستخدم دون رقابة صارمة أو وعي كافٍ بمحدوديته.

ولعل الرسالة الأوضح التي خلصت إليها أبحاث وكتب مرجعية، مثل الإصدار الصادر عن دار "Springer" عام 2023، أن الذكاء الاصطناعي في الطب قد يكون حليفًا قويًا، لكنه يظل بحاجة إلى إشراف بشري صارم وضوابط أخلاقية واضحة، فهو ليس بديلًا عن الطبيب، بل أداة يمكن أن تضيف قيمة كبيرة إذا جرى استخدامها بحذر.

في المحصلة، يمثل الذكاء الاصطناعي الطبي سيفًا ذا حدين، يحمل وعودًا كبيرة بتطوير الرعاية الصحية وتسريع التشخيص، لكنه في الوقت ذاته يخفي مخاطر لا تقل عن تلك الوعود، والسنوات المقبلة ستحدد ما إذا كان سيترسخ كأداة إنقاذ أو يتعثر بسبب غياب الرقابة والفهم العميق لطبيعته.

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً