سيجنال تتحدى الحوسبة الكمومية بتقنية SPQR لتشفير ما بعد المستقبل

أعلن تطبيق المراسلة الآمن سيجنال (Signal) عن إطلاق مكون تشفيري جديد تحت اسم SPQR، وهو اختصار لعبارة Sparse Post-Quantum Ratchet، بهدف التصدي مبكرًا للتهديدات المتوقعة من تقنيات الحوسبة الكمومية. 

وتأتي هذه المبادرة في ظل تصاعد القلق بين الخبراء حول قدرة الحواسيب الكمومية المستقبلية على كسر أنظمة التشفير التقليدية، ما يجعل من هذه الخطوة إعلانًا صريحًا من سيجنال بأنه يستعد لعصر جديد من الأمن السيبراني.

تشفير متجدد

تطبيق سيجنال، الذي تديره مؤسسة غير ربحية تحمل الاسم نفسه، يعد من أبرز التطبيقات التي وفرت مفهوم التشفير من طرف إلى طرف، حيث يعتمد عليه أكثر من 100 مليون مستخدم حول العالم للتواصل بأمان. 

ومع إطلاق SPQR، يرفع التطبيق سقف الحماية ليضمن أن تبقى المحادثات الخاصة محصنة حتى في مواجهة القدرات الكمومية التي يُتوقع أن تمتلكها الحواسيب المستقبلية.

وتعمل تقنية SPQR على تجديد مفاتيح التشفير المستخدمة في المحادثات بشكل مستمر، مع حذف المفاتيح القديمة بشكل تلقائي، مما يمنح المستخدمين مستويين متقدّمين من الأمان هما “السرية الأمامية” (Forward Secrecy) و“الأمان بعد الاختراق” (Post-Compromise Security). 

وبذلك، حتى في حال تمكن جهة خبيثة من الوصول إلى مفتاح تشفير حالي، تبقى الرسائل اللاحقة بين الأطراف مؤمنة بالكامل بفضل التبديل الديناميكي للمفاتيح.

سقاطة ثلاثية

من الناحية التقنية، تقدم SPQR طبقة جديدة تُعرف باسم “السقاطة الثلاثية” (Triple Ratchet)، وهي امتداد للنظام الحالي الذي يعتمد على ما يسمى “السقاطة المزدوجة” (Double Ratchet). 

وتستبدل هذه التقنية بروتوكول Diffie-Hellman الكلاسيكي بآلية أكثر تطورًا تعرف بـ ML-KEM، وهي آلية تغليف مفاتيح مقاومة للهجمات الكمومية.

ووفقًا لتوضيح سيجنال، تعمل الآلية الجديدة بطريقة هجينة تجمع بين النظامين، إذ عند إرسال أي رسالة جديدة يقوم التطبيق بطلب مفتاح تشفير من كل من نظام السقاطة المزدوجة ونظام SPQR، ثم يمرر المفتاحين إلى دالة اشتقاق تنتج مفتاحًا فريدًا ومشفرًا، يمتاز بكونه أكثر أمانًا واستقرارًا في مواجهة الهجمات المستقبلية، هذه المقاربة المبتكرة تمنح المستخدمين حماية مزدوجة تعتمد على دمج الأمان الكلاسيكي بالأمان الكمومي في الوقت نفسه.

تعاون علمي

ولم تأتِ تقنية SPQR بمعزل عن دعم علمي، فقد طورتها سيجنال بالتعاون مع مؤسسات بحثية مرموقة من بينها شركة PQShield المتخصصة في تشفير ما بعد الكم، والمعهد الوطني الياباني للعلوم الصناعية المتقدمة والتكنولوجيا (AIST)، وجامعة نيويورك. 

كما تم إخضاع النظام الجديد لعملية تحقق رسمية باستخدام أداة ProVerif، وهي أداة أكاديمية متقدمة تُستخدم لضمان صحة البروتوكولات الأمنية، بينما اختُبرت متانة التنفيذ البرمجي بلغة Rust عبر أداة hax، ما يضمن تحقيق أعلى مستويات الصلابة التقنية.

ويشير هذا التعاون بين المؤسسات البحثية وشركة سيجنال إلى أن SPQR ليست مجرد تحديث برمجي عابر، بل مشروع متكامل يمثل جيلًا جديدًا من التشفير المخصص لعصر ما بعد الكم، يدمج بين البحث الأكاديمي والتطبيق العملي.

طرح تدريجي

أما عن آلية الإطلاق، فقد أوضحت سيجنال أن طرح تقنية SPQR سيتم تدريجيًا، دون الحاجة من المستخدمين لأي تدخل يدوي، إذ سيتم تفعيل النظام تلقائيًا عند تحديث التطبيق إلى آخر إصدار. 

كما أكدت الشركة أن النظام الجديد متوافق مع الإصدارات السابقة، بحيث يمكن لمستخدم يدعم SPQR التواصل مع مستخدم لم تصله التقنية بعد، من خلال خفض مؤقت لمستوى الأمان، إلى حين تعميم النظام بالكامل.

وبمجرد أن تصل التقنية إلى جميع المستخدمين، سيصبح استخدام SPQR إلزاميًا في جميع جلسات المحادثة، ما يضمن توحيد طبقة الحماية على مستوى المنصة بأكملها، هذه الخطوة توضح أن سيجنال لا يكتفي بالتصدي للتهديدات الحالية، بل يستعد مسبقًا للتهديدات القادمة التي قد تعيد تعريف مفهوم الأمان الرقمي في العالم.

في نهاية المطاف، يبدو أن سيجنال يرسخ مكانته ليس فقط كتطبيق مراسلة آمن، بل ككيان بحثي ومؤسسي يقود ثورة جديدة في عالم التشفير، واضعًا نصب عينيه تحديًا كبيرًا: أن يظل الأمان الرقمي قائمًا حتى في زمنٍ قد يصبح فيه التشفير الكلاسيكي بلا جدوى.