الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025

12:34 م

tru

تطبيق هندي جديد يزاحم واتساب ويشعل الجدل حول الخصوصية

Arattai

Arattai

ياسين عبد العزيز

A A

يشهد المشهد التقني في الهند جدلاً متسارعًا بعد بروز تطبيق المراسلة Arattai الذي أطلقته شركة Zoho الهندية، وسط موجة من الدعوات إلى الاعتماد على التطبيقات المحلية بدلاً من المنصات الغربية مثل واتساب المملوك لشركة ميتا الأمريكية. 

ويأتي هذا التحول في ظل تصاعد الشعور الوطني بضرورة تعزيز "السيادة الرقمية" للهند، غير أن الحماس الشعبي لا يخلو من المخاوف، خصوصًا فيما يتعلق بمدى أمان البيانات وخصوصية المستخدمين داخل التطبيق الجديد.

بداية التحول

منذ الأيام الأولى لإطلاقه، جذب تطبيق Arattai اهتمامًا واسعًا في الهند، بعدما رُوّج له باعتباره بديلاً محليًا بسيطًا وسهل الاستخدام لتطبيقات المراسلة الأجنبية، غير أن هذا الزخم الوطني سرعان ما أثار تساؤلات بين خبراء التقنية حول مدى جاهزية التطبيق لمنافسة واتساب، خاصة أنه لا يوفر حتى الآن خاصية التشفير الكامل للمحادثات، وهي ميزة تُعدّ أساسًا في حماية بيانات المستخدمين من التطفل أو القرصنة.

ويرى محللون أن الدافع وراء التحول نحو Arattai ليس تقنيًا بقدر ما هو رمزي، إذ يعكس رغبة الهند في امتلاك منصات تكنولوجية وطنية مستقلة، لكنهم يحذرون من أن هذا الحماس قد يتحول إلى ثغرة أمنية إذا لم تُواكب هذه التطبيقات المعايير العالمية للخصوصية.

من حديقة إلى أخرى

يشير عدد من المتخصصين في مجال البرمجيات إلى أن الانتقال من واتساب إلى Arattai لا يمثل خروجًا حقيقيًا من دائرة المنصات المغلقة، بل هو أشبه بالانتقال من "حديقة رقمية مغلقة" إلى أخرى تحمل طابعًا محليًا، فكلتا المنصتين تفتقران إلى قابلية التشغيل البيني، أي إمكانية التواصل مع تطبيقات مراسلة أخرى دون الحاجة إلى التسجيل في نفس المنصة.

ويعبّر بعض خبراء البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر (FOSS) عن خيبة أملهم من غياب الجهود المجتمعية لتوعية المستخدمين حول بدائل أكثر انفتاحًا، مثل تلك التي تعتمد على بروتوكولات مفتوحة تسمح بتبادل الرسائل بين تطبيقات مختلفة، فبدلاً من تشجيع المستخدمين على كسر احتكار المنصات المغلقة، يبدو أن المشهد الرقمي الهندي يعيد إنتاج النمط نفسه لكن بواجهة محلية.

دروس من البريد

في مقارنة لافتة، أشار أحد الكتّاب الهنود إلى تجربة البريد الإلكتروني كنموذج ناجح للتشغيل البيني، فبفضل بروتوكولات موحدة وضعتها فرقة عمل هندسة الإنترنت (IETF)، يمكن لأي مستخدم إرسال بريد إلكتروني من Gmail إلى Outlook أو ProtonMail بسهولة تامة، دون أن تُفرض عليه قيود المنصة، هذه التجربة الناجحة، كما يقول الكاتب، تفتقر إليها تطبيقات المراسلة الحديثة التي تعيش في جزر رقمية منفصلة لا تتفاعل مع بعضها.

ويرى الخبراء أن هذا الانفصال الرقمي يحرم المستخدمين من حرية التواصل ويجعلهم أسرى لخدمات مركزية تملك السلطة الكاملة على بياناتهم واتصالاتهم، وهو ما يعيق الابتكار ويحدّ من تنوع السوق التقنية.

غياب التشريعات

على صعيد السياسات، يظهر التباين واضحًا بين أوروبا والهند، ففي حين بدأ الاتحاد الأوروبي يفرض على تطبيقات المراسلة الكبرى مثل واتساب وفيسبوك ماسنجر فتح قنوات للتشغيل البيني مع المنافسين، ما زالت الهند متأخرة في هذا المجال، فغياب التشريعات المنظمة يعني أن المستخدمين الهنود قد لا يستفيدون من التحديثات التي تطبقها ميتا في أوروبا، مثل التفاعل مع تطبيقات أخرى أو نقل البيانات بسهولة.

ويرى خبراء القانون الرقمي أن تأخر الهند في هذا الملف قد يؤدي إلى خلق فجوة بين المستخدمين المحليين ونظرائهم في الغرب، كما أن غياب الإطار القانوني يجعل السوق الهندية عرضة للاحتكار من شركات محلية كبرى قد تتبنى نفس ممارسات السيطرة التي تُنتقد في الشركات الغربية.

دعوة لإعادة التفكير

في ختام الجدل، تتعالى الأصوات المطالِبة بإعادة النظر في مفهوم "الاستقلال الرقمي"، بحيث لا يقتصر على استبدال منتج غربي بآخر محلي، بل يتجه نحو تحقيق انفتاح تقني حقيقي يضمن حرية المستخدمين ويحمي بياناتهم. 

ويرى محللون أن الحل يكمن في دعم المعايير المفتوحة وتبني سياسات تشجع الابتكار المستقل بدلاً من تكرار نموذج المنصات المغلقة.

إن تطبيق Arattai قد يمثل بداية رحلة الهند نحو بناء منظومتها الرقمية الخاصة، لكنه في صورته الحالية لا يبتعد كثيرًا عن منافسه الأمريكي من حيث المركزية والتحكم، ولذلك، فإن المعركة الحقيقية لا تدور حول من يملك التطبيق، بل حول من يملك حرية التواصل، وكيف يمكن للمستخدم أن يكون سيد بياناته في عالم رقمي يزداد انغلاقًا يومًا بعد يوم.

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً