الأربعاء، 24 ديسمبر 2025

01:52 م

باحثون يطورون ذكاءً اصطناعيًا يتنبأ بالأمراض المستقبلية عبر فحص الطفرات الجينية

ذكاء اصطناعي

ذكاء اصطناعي

A A

نجح فريق من العلماء في كلية إيكان للطب التابعة لمستشفى ماونت سيناي العريق، في ابتكار أداة تقنية ثورية تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، حيث تمتلك هذه الأداة قدرة فائقة ليس فقط على رصد الطفرات الجينية المسببة للاعتلالات، بل وتوقع نوع المرض المحدد الذي قد تسببه تلك الطفرات في المستقبل، مما يفتح آفاقاً جديدة في عالم الطب الوقائي والتشخيص المبكر للحالات المعقدة والنادرة التي كانت تستعصي على الفهم سابقاً.

أطلق الباحثون على هذه التقنية المبتكرة اسم "V2P" كاختصار لعملية ربط المتغير الجيني بالنمط الظاهري للمرض، وتهدف الأداة بشكل أساسي إلى تسريع عمليات الفحص الجيني التقليدية التي كانت تستغرق وقتاً طويلاً.

وقد نشرت تفاصيل هذا الإنجاز العلمي في مجلة "Nature Communications" المرموقة، لتؤكد بذلك على الدور المحوري الذي بات يلعبه التعلم الآلي في فك شفرات الحمض النووي البشري، وتحويل البيانات الخام إلى رؤى طبية قابلة للتطبيق العملي.

تحليل جيني

تتجاوز الأداة الجديدة القيود التقنية التي كانت تعاني منها أدوات التحليل الجيني التقليدية والمتوفرة حالياً في المختبرات، إذ كانت تلك الأدوات تكتفي بتصنيف الطفرة الجينية كعنصر ضار أو نافع دون تقديم تفاصيل حول طبيعة المرض الناتج عنها، بينما تقوم تقنية "V2P" بربط المتغيرات الجينية بنتائجها الصحية المتوقعة بدقة مذهلة، وهو ما يسمح للأطباء والباحثين برسم خارطة طريق صحية استباقية لكل مريض بناءً على تركيبته البيولوجية الفريدة والخاصة به.

أوضح ديفيد شتاين المؤلف الرئيسي للدراسة أن هذه التقنية تسمح بتحديد أكثر التغيرات الجينية ارتباطاً بحالة المريض الصحية، وبدلاً من إضاعة الوقت في فحص آلاف المتغيرات الاحتمالية غير المؤكدة، تقوم الأداة بتضييق نطاق البحث نحو الطفرات الأكثر خطورة وتأثيراً، مما يساهم بشكل مباشر في تحسين سرعة تفسير البيانات الجينية المعقدة، ورفع دقة عمليات التشخيص السريري التي يعتمد عليها الأطباء في اتخاذ قراراتهم العلاجية المصيرية واليومية.

تطوير الأدوية

درب الفريق البحثي الأداة باستخدام قواعد بيانات ضخمة وشاملة تحتوي على ملايين المتغيرات الجينية، وعند اختبارها على بيانات حقيقية لمرضى مجهولي التشخيص، تمكنت الأداة من تحديد الطفرات المسببة للأمراض بدقة متناهية، ولم يتوقف طموح الباحثين عند التشخيص فحسب، بل يرى الدكتور أفنير شليسينغر أن التقنية ستكون ركيزة أساسية في أبحاث تطوير الأدوية الحديثة، عبر مساعدة المختبرات العالمية في تحديد الجينات المستهدفة للعلاجات المصممة وراثياً لكل حالة.

تساهم هذه الرؤى الجينية العميقة في توجيه شركات الأدوية نحو ابتكار علاجات تستهدف الآليات الأساسية للمرض مباشرة، خاصة في مواجهة الحالات المرضية النادرة التي تفتقر تاريخياً لخيارات علاجية فعالة أو واضحة، وتقوم الأداة حالياً بتصنيف الطفرات ضمن فئات طبية كبرى مثل الأورام السرطانية واضطرابات الجهاز العصبي، مع خطط مستقبلية طموحة لرفع مستوى الدقة بحيث يمكنها التنبؤ بأسماء أمراض محددة وتفصيلية بدلاً من الفئات العامة الحالية.

طب دقيق

يمثل هذا الابتكار حجر زاوية في مسار التحول نحو الطب الدقيق القائم على البصمة الجينية الفردية، إذ يساعد الربط المباشر بين المتغيرات الصحية والتأثيرات المستقبلية في حماية الأفراد من مخاطر صحية كامنة، ويؤكد الدكتور يوفال إيتان أن أداة "V2P" توفر فهماً أعمق لآلية تحول الخلل الجيني البسيط إلى مرض عضوي ملموس، مما يسهل عملية ترتيب الأولويات البحثية ودراسة الجينات التي تستحق بالفعل استثمارات مادية ومعرفية معمقة في المستقبل القريب.

يهدف الفريق العلمي في المرحلة القادمة إلى إدماج مصادر بيانات إضافية لتعزيز قدرات التنبؤ الخاصة بالأداة، وتوسيع نطاق استخدامها في المستشفيات والمراكز البحثية حول العالم لتسهيل الانتقال من الفهم البيولوجي إلى التنفيذ العلاجي، ويظل الهدف الأسمى هو تصميم تدخلات طبية مخصصة بالكامل لكل فرد، مما يقلل من احتمالات الخطأ الطبي ويزيد من فرص الشفاء التام عبر استهداف جذور المرض الجينية قبل استفحال أعراضه الجسدية الظاهرة.

تفتح هذه التقنية باباً للأمل أمام ملايين المرضى الذين يعانون من اضطرابات جينية غامضة لم تجد تفسيراً لعقود، وبفضل الذكاء الاصطناعي لم يعد فحص الحمض النووي مجرد عملية روتينية، بل أصبح رحلة استكشافية في مستقبل الصحة البشرية، ومع استمرار تطوير هذه الأدوات الذكية، يتوقع الخبراء أن يشهد العقد القادم ثورة في كيفية التعامل مع الأمراض الوراثية، حيث سيصبح التنبؤ بالمرض ومنعه ممكناً تماماً قبل أن يبدأ تأثيره الفعلي على جسد الإنسان.

تختتم الدراسة بالتأكيد على أن دمج التكنولوجيا المتطورة مع العلوم الطبية الحيوية هو الطريق الوحيد لتحقيق نهضة صحية شاملة، فالعالم اليوم يتجه نحو رقمنة البيولوجيا البشرية لضمان حياة أطول وأكثر جودة للأجيال القادمة، وتبقى أداة "V2P" شاهداً حياً على قدرة العقل البشري في تطويع الآلة لخدمة الإنسانية، وحماية أثمن ما يملكه الإنسان وهو صحته التي تبدأ من أدق تفاصيل خلاياه وجيناته التي تحمل أسرار حياته ومستقبله الصحي المشرق.

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً