الجمعة، 26 ديسمبر 2025

05:16 م

نموذج AlphaFold يغير ملامح الطب الحديث وعلم الأحياء الجزيئي

جوجل AlphaFold

جوجل AlphaFold

A A

تصادف الأيام الحالية مرور 5 سنوات كاملة على إطلاق نموذج AlphaFold الثوري، الذي طورته شركة DeepMind التابعة لعملاق التكنولوجيا جوجل، ليصبح خلال فترة وجيزة أحد أبرز إنجازات الذكاء الاصطناعي في تاريخ العلوم الحديثة، ومحط أنظار المجتمع العلمي الذي توج مطوري النظام بجائزة نوبل في الكيمياء العام الماضي، تقديراً للتأثير العميق الذي أحدثه في فهم بنية البروتينات المعقدة.

انطلقت DeepMind في رحلتها العلمية بعد أن حققت شهرة واسعة في تطوير أنظمة هزمت أبطال العالم في الألعاب الإلكترونية، لكنها اتجهت لاحقاً نحو تحدٍ أكثر تعقيداً وأهمية للبشرية، وهو حل معضلة طيّ البروتينات التي استعصت على العلماء لعقود طويلة، فكانت النتيجة إطلاق AlphaFold 2 القادر على التنبؤ بالبنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات بدقة ذرية، تضاهي النتائج المختبرية التقليدية.

شيدت الشركة بناءً على هذا النجاح قاعدة بيانات ضخمة تضم أكثر من 200 مليون بنية بروتينية متوقعة، وهي تغطي تقريباً كافة البروتينات المعروفة للعلم حالياً، ويستخدم هذه المنصة الرقمية ما يقرب من 3.5 ملايين باحث يتوزعون على أكثر من 190 دولة حول العالم، كما حصدت الورقة العلمية التي وثقت هذا الإنجاز في مجلة Nature أكثر من 40 ألف استشهاد علمي حتى يومنا هذا.

طفرة بيولوجية

كشفت DeepMind في العام الماضي عن الجيل الثالث من النموذج AlphaFold 3، والذي وسع نطاق قدرات الذكاء الاصطناعي لتشمل دراسة الحمض النووي DNA و RNA وتصميم الأدوية المبتكرة، وتمثل هذه الخطوة طموحاً كبيراً نحو نمذجة التفاعلات البيولوجية الأكثر تعقيداً داخل الأجسام الحية، وهي مؤشر قوي على مستقبل يقود فيه الذكاء الاصطناعي دفة العلوم الحيوية والطبية نحو آفاق غير مسبوقة.

أكد بوشميت كوهلي، نائب رئيس الأبحاث في الشركة، أن الانتقال من عالم الألعاب إلى المشكلات العلمية الجوهرية كان رؤية مؤسسية منذ البداية، حيث اعتبر أن الألعاب كانت مجرد ساحة اختبار لتطوير الأدوات التقنية، بينما يظل الهدف النهائي هو توظيف هذه القوة لتسريع الاكتشافات العلمية، وحل "مشكلات الجذور" التي يؤدي فك شفرتها إلى فتح آفاق بحثية هائلة في مجالي الطب والأحياء.

واجهت الشركة تساؤلات حول ظاهرة "الهلوسة" في نماذج الذكاء الاصطناعي عند اعتماد AlphaFold 3 على نماذج الانتشار المتطورة، لكن كوهلي أوضح أن النظام يتضمن مؤشرات ثقة دقيقة تظهر مدى موثوقية التوقعات في كل حالة، مشيراً إلى أن الثقة العلمية في هذا النموذج لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة اختبارات مختبرية صارمة ونجاحات عملية سجلها العلماء في مختلف الميادين.

مستقبل الطب

تعمل DeepMind حالياً على إطلاق نظام "العالِم المساعد" المدعوم بالذكاء الاصطناعي والمبني على نموذج Gemini 2.0 المتطور، حيث يمتلك هذا النظام القدرة على توليد الفرضيات العلمية ومناقشتها عبر وكلاء أذكياء، ويرى الخبراء أن هذا التوجه لا يستهدف استبدال دور العالِم البشري، بل يهدف إلى إعادة توزيع المهام، بحيث يتولى الذكاء الاصطناعي حل المشكلات المعقدة بينما يحدد البشر الأولويات.

استخدم باحثون في كلية إمبريال كوليدج لندن هذا النظام المتطور لدراسة آليات استيلاء الفيروسات على البكتيريا، مما ساعد في فتح مسارات بحثية جديدة لمكافحة أزمة مقاومة المضادات الحيوية التي تهدد الصحة العامة عالمياً، وهذا المثال يبرهن على أن الأدوات الرقمية أصبحت شريكاً حقيقياً في إنتاج المعرفة العلمية، وتقليص الفجوات الزمنية التي كانت تتطلبها التجارب التقليدية في السابق.

أعلن كوهلي أن الهدف الأكبر للسنوات المقبلة هو فهم الخلية البشرية كوحدة متكاملة والوصول إلى محاكاتها بالكامل، معتبراً أن فك شفرة الجينوم وفهم آليات قراءة الرموز الوراثية داخل النواة هو الخطوة الأولى في هذا الطريق الطويل، والقدرة على محاكاة الخلايا حاسوبياً ستحدث ثورة في صناعة الدواء، عبر اختبار فاعلية المركبات الكيميائية رقمياً قبل البدء في تصنيعها الفعلي.

ترتبط التنبؤات الحاسوبية التي يقدمها AlphaFold مباشرة بالتطبيقات السريرية التي تهدف لتحسين حياة المرضى حول العالم، فمن خلال فهم الأمراض على مستواها الجزيئي الأساسي، سيتمكن الأطباء مستقبلاً من تصميم علاجات مخصصة لكل مريض بناءً على تركيبته الجينية الخاصة، مما يقلل من الأعراض الجانبية ويرفع من نسب الشفاء في الأمراض المستعصية والمزمنة التي تواجه البشرية حالياً.

تستمر جوجل من خلال DeepMind في دفع حدود الممكن علمياً عبر دمج التكنولوجيا العميقة مع الاحتياجات الإنسانية الجوهرية، ومع مرور 5 سنوات على انطلاق AlphaFold، يبدو أننا لا نزال في بداية الطريق نحو عصر ذهبي للاكتشافات البيولوجية، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي هو المجهر الجديد الذي نرى من خلاله تفاصيل الحياة الدقيقة، ونعيد عبره كتابة مستقبل الرعاية الصحية العالمية بكل ثقة واقتدار.

يستعد المجتمع العلمي لاستقبال التحديثات القادمة من هذا النموذج والتي قد تشمل محاكاة تفاعلات الأجهزة الحيوية بالكامل، وهو ما سيقلل الاعتماد على التجارب السريرية الطويلة والمكلفة في مراحلها الأولية، ويجعل من تطوير الأمصال واللقاحات عملية سريعة لا تستغرق سوى أيام معدودة، كما حدث في بعض التجارب الناجحة التي استندت إلى بيانات AlphaFold الدقيقة خلال السنوات القليلة الماضية.

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً