طوفان الذكاء الاصطناعي يكتسح صناعة الألعاب ويعيد تشكيل مستقبلها الرقمي

تتسارع خطى التحول الجذري في صناعة ألعاب الفيديو العالمية بالتزامن مع بزوغ فجر نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة، حيث تشرع هذه التقنيات في بناء عوالم افتراضية تفاعلية ثلاثية الأبعاد قادرة على محاكاة الواقع الفيزيائي بدقة متناهية، مما ينذر بتغيير شامل في قطاع ضخم بلغت إيراداته السنوية نحو 190 مليار دولار خلال عام 2025 الحالي وفق تقديرات مؤسسة Newzoo للأبحاث،

تتسابق كبرى المؤسسات التقنية مثل جوجل ديب مايند وشركة World Labs الناشئة لترسيخ مفهوم نماذج العالم التي تهدف إلى ابتكار أنظمة ذكية، إذ تراهن رائدة التكنولوجيا "في-في لي" عبر استثمارات ضخمة تتجاوز مليار دولار على هذه الأنظمة لتغيير الأسس التقليدية للتطوير الرقمي، وذلك عبر تمكين المبدعين من تجاوز العقبات التقنية التي كانت تعيق خيالهم لسنوات طويلة في هذا المجال،

تحولات جذرية

يؤكد الخبير شلومي فروختر من ديب مايند أن عملية تطوير البرمجيات الترفيهية تمر بمرحلة انتقالية عميقة ستكتمل ملامحها خلال السنوات القليلة المقبلة، حيث ستسمح هذه النماذج للمطورين ببناء بيئات لعب أكثر تعقيداً وبسرعة تفوق المعدلات الحالية بمرات عديدة، دون أن يؤدي ذلك إلى إلغاء التجربة التقليدية بل سيعمل على إثراء المحتوى بتجارب بصرية وحركية لم يكن من الممكن تصورها أو تنفيذها سابقاً.

تتوسع طموحات شركات عملاقة مثل xAI المملوكة لإيلون ماسك وإنفيديا لدمج تقنيات محاكاة العالم في مجالات الروبوتات والمركبات ذاتية القيادة، إلا أن قطاع الألعاب يظل المستفيد الأول والأسرع من هذه الطفرة التقنية نظراً لاعتماده الكلي على العناصر البصرية المولدة آلياً، حيث يتم حالياً توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في تصميم المناظر الطبيعية والشخصيات الرقمية المعقدة لتقليل الوقت والجهد المبذول في التصميم،

تستفيد شركة Game Gears التابعة لمجموعة GDEV من هذه الأدوات الحديثة في إنتاج عناوين بارزة مثل لعبة Aliens vs Zombies: Invasion، وهو ما ساهم في تسريع وتيرة العمل بمعدل 4 أضعاف مقارنة بالأساليب اليدوية التقليدية المتبعة سابقاً، ويرى الرئيس التنفيذي ألكسندر فاشتشينكو أن قطاعي السينما والألعاب وصلا إلى مرحلة الارتباط المصيري بالذكاء الاصطناعي، بحيث لن يكون بمقدور هذه الاستديوهات العمل مستقبلاً دونه،

تفاعل ذكي

تتعاون Epic Games وديزني مع جوجل و ElevenLabs لتقديم نماذج تفاعلية متطورة داخل لعبة Fortnite الشهيرة عبر شخصيات مثل دارث فيدر، حيث يتم توظيف الذكاء الاصطناعي لجعل الشخصيات غير القابلة للعب قادرة على التجاوب مع اللاعبين بأسلوب واقعي، مما يضفي لمسة من الحيوية على البيئات الافتراضية ويجعل من كل تجربة لعب قصة فريدة تختلف تفاصيلها من مستخدم إلى آخر بناءً على قراراته،

أطلقت شركة World Labs نموذجها الثوري Marble بالتزامن مع كشف شركة Runway عن أول نموذج عالم خاص بها مخصص لاستديوهات الألعاب العالمية، وترى الخبيرة "في-في لي" أن هذه الابتكارات ستؤثر بشكل مباشر ومحوري في عمل محركات الألعاب الكبرى مثل Unity و Unreal، نظراً للحاجة الملحة لتحسين أدوات المحاكاة الجوهرية التي تعتمد عليها هذه المحركات في بناء وتطوير البيئات الرقمية عالية الجودة،

يتوقع البروفيسور إريك شينغ رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي أن تتحول عملية إنتاج الألعاب المخصصة إلى مهمة يسيرة ومباشرة للاعبين أنفسهم، حيث ستسمح النماذج الجديدة للمستخدمين بابتكار عوالمهم الخاصة دون الحاجة إلى مهارات برمجية معقدة أو ميزانيات ضخمة، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقليل الاعتماد على البرمجيات المكلفة التي كانت تحتكرها الشركات الكبرى لسنوات طويلة،

إبداع مستدام

تثير هذه القفزات التقنية المتلاحقة مخاوف مشروعة لدى العاملين في القطاع بشأن إمكانية استبدال الفنانين والمطورين البشريين بأنظمة ذكاء اصطناعي أرخص ثمناً، فضلاً عن القلق من تدني جودة المحتوى الفني نتيجة إغراق السوق بالمواد المولدة آلياً التي قد تفتقر إلى الروح الإبداعية، ومع ذلك يظل التفاؤل سيد الموقف لدى الكثيرين الذين يرون في هذه التقنيات طوق نجاة للصناعة من التكاليف الباهظة،

تستغرق ألعاب الفئة العليا حالياً سنوات طويلة من التطوير الشاق وتتطلب ميزانيات فلكية قد تتجاوز حاجز مليار دولار للعنوان الواحد في بعض الأحيان، لذا فإن الذكاء الاصطناعي يمثل الحل الأمثل لخفض هذه التكاليف وتقليل معدلات الإرهاق الوظيفي بين الموظفين، مما يفتح آفاقاً جديدة للاستدامة المالية والإبداعية في صناعة ترفيهية تتطور بشكل أسرع من أي وقت مضى في تاريخ البشرية الحديث.