الاستثمارات الرقمية الضخمة تدفع الشرق الأوسط إلى موقع ريادي عالمي في مراكز البيانات

تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولًا استراتيجيًا غير مسبوق في صناعة مراكز البيانات العملاقة، إذ باتت المنطقة وجهة مفضلة للشركات العالمية الباحثة عن أسواق ناشئة تتمتع بإمكانات نمو متسارعة، ووفق تقرير صادر عن مؤسسة "ResearchAndMarkets"، فإن قيمة سوق مراكز البيانات في الشرق الأوسط مرشحة لتجاوز حاجز 8 مليارات دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ نحو 12%، وهو ما يعكس حجم الاهتمام الدولي بالمنطقة وقدرتها على التحول إلى محور أساسي في الاقتصاد الرقمي العالمي.

استثمارات متصاعدة

تتصدر مصر والسعودية والإمارات هذا السباق عبر مشاريع عملاقة تهدف إلى ترسيخ البنية التحتية الرقمية، ففي مصر ساعدت مبادرة "مصر الرقمية" على استقطاب شركات كبرى مثل "فودافون" و"أورنج" لضخ استثمارات جديدة في مراكز بيانات متطورة، حيث أعلنت "فودافون مصر" عن استثمار يصل إلى 500 مليون جنيه لبناء مركز متقدم بمدينة السادس من أكتوبر.

بينما خصصت السعودية استثمارات تفوق 18 مليار دولار ضمن خطط "رؤية 2030"، عبر شراكات استراتيجية مع "أرامكو ديجيتال" و"جوجل كلاود"، أما الإمارات فقد عززت موقعها عبر ضخ نحو 1.2 مليار دولار في شراكات مع "أمازون ويب سيرفيسز".

نمو الحوسبة

الطلب المتزايد على الخدمات السحابية يعد المحرك الأساسي لهذه الطفرة، حيث تجاوز حجم الإنفاق على الحوسبة السحابية في المنطقة 3.8 مليار دولار خلال عام 2024، بحسب تقرير "IDC".

ويأتي هذا النمو مدفوعًا بتوسع قطاعات البنوك والهيئات الحكومية والصناعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ما جعل المنطقة مسرحًا للتنافس بين شركات التكنولوجيا العالمية التي تسعى للاستحواذ على حصص من سوق واعد يملك مقومات توسع هائلة.

فرص وظيفية

لا يقتصر تأثير هذا النمو على الاقتصاد الرقمي فحسب، بل يمتد ليشكل رافعة اقتصادية واجتماعية للمنطقة، إذ تشير التقديرات إلى أن قطاع مراكز البيانات سيوفر أكثر من 100 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة خلال السنوات الخمس المقبلة، الأمر الذي يجعل هذه الصناعة جزءًا من خطط التنمية الاقتصادية، ويعزز فرص الكفاءات المحلية في الانخراط بمشروعات تكنولوجية استراتيجية، ويؤكد أن مراكز البيانات لم تعد مجرد بنية تحتية، بل أصبحت محركًا رئيسيًا لدعم التحول الرقمي وبناء اقتصاد معرفي قادر على المنافسة عالميًا.

بهذا الزخم الاستثماري والتقني، تبدو ملامح المشهد الرقمي في الشرق الأوسط متجهة نحو مرحلة جديدة من النمو المتسارع، حيث يتكامل الدعم الحكومي مع التدفقات الاستثمارية الدولية لصناعة مستقبل رقمي أكثر شمولًا، ويضع المنطقة في قلب الخريطة العالمية لمراكز البيانات، بما يتيح لها دورًا رياديًا في صياغة ملامح الاقتصاد العالمي القادم.