المحافظات المصرية تدخل عصر المدن الذكية باستثمارات رقمية ضخمة

تشهد عدة محافظات مصرية خارج نطاق العاصمة الإدارية موجة واسعة من التحول إلى المدن الذكية، ضمن استراتيجية وطنية تهدف إلى بناء منظومة خدمات رقمية متكاملة تشمل كل قطاعات الحياة اليومية. 

وتأتي محافظات مثل أسيوط الجديدة، بورسعيد، والعلمين الجديدة ضمن أولى المحافظات التي بدأت تنفيذ مشاريع ذكية تتضمن شبكات مرور إلكترونية، وكاميرات مراقبة بتحليل ذكي للصور، بالإضافة إلى منصات موحدة للخدمات الحكومية. 

وقد تجاوز حجم الاستثمارات المخصصة لتطوير البنية الرقمية في المحافظات 12 مليار جنيه منذ 2022 وحتى الآن، لتعزيز العدالة الجغرافية في التطور التكنولوجي وعدم اقتصاره على العاصمة.

ألياف ضوئية

في أسيوط الجديدة، تم نشر شبكات ألياف ضوئية تغطي أكثر من 90% من المناطق السكنية الحديثة، ما يمكّن من تشغيل خدمات تعليمية وصحية وتجارية إلكترونية على نطاق أوسع. 

كما بدأ تشغيل نظام مراقبة الطرق والتقاطعات باستخدام تحليلات الذكاء الاصطناعي، بهدف تقليل الحوادث على الطرق السريعة المحيطة بالمحافظة. 

وتستهدف الخطة دمج الخدمات اللوجستية ومناطق التجارة الداخلية مع مراكز البيانات المحلية لتسهيل نقل البضائع بين الصعيد والدلتا، ما يعكس قدرة المدن الذكية على الربط بين البنية التحتية الرقمية والخدمات الميدانية بشكل فعّال.

خدمات رقمية

أما بورسعيد، فتمثل نموذجًا متقدمًا لتطبيق الخدمات الحكومية الرقمية، حيث تُعد أول محافظة تطبق منظومة رقمية متكاملة منذ 2019، وقد رُبطت أكثر من 80 جهة حكومية عبر منصة موحدة تسمح باستخراج الوثائق الرسمية، والسجلات الطبية، ورخص البناء إلكترونيًا. 

وتشارك شركات مثل دلتا سوفت وIBM مصر في تطوير نظم إدارة المستشفيات والمحليات، وميكنة منظومة التأمين الصحي الشامل، ما ساهم في تقليل مدة إنهاء الخدمات الحكومية بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بالأسلوب التقليدي، مما يعزز رضا المواطنين ويختصر الوقت والجهد في الحصول على الخدمات الأساسية.

طاقة متجددة

وفي العلمين الجديدة، يجري تنفيذ نموذج مدينة ذكية يعتمد على أنظمة بيانات مركزية، حيث تم ربط شبكات المياه والكهرباء والإنارة عبر مركز تحكم واحد، بالتعاون مع شركات عالمية مثل Schneider Electric لإنشاء نظم تحكم للطاقة تعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء. 

وتتيح هذه الأنظمة تقليل استهلاك الكهرباء بنسبة تقديرية تصل إلى 20%، كما يجري تجهيز شبكات الجيل الخامس لتغطية المناطق السياحية الجديدة، وتوفير خدمات بث واتصال متقدمة، بما يسهم في دعم السياحة الذكية وتحسين تجربة الزوار والمقيمين على حد سواء.

ويؤكد خبراء التخطيط العمراني والتقني أن هذه المشاريع تمثل نقلة نوعية في مفهوم المدن المصرية، إذ تجمع بين البنية التحتية الرقمية، وأنظمة الطاقة الذكية، والخدمات الحكومية الإلكترونية، مع التركيز على دمج القطاعات المختلفة ضمن منصة متكاملة. 

كما تساعد هذه الجهود في تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، ودعم التنمية المستدامة، وتهيئة البيئة لابتكارات مستقبلية في مجالات النقل والطاقة والخدمات الرقمية، بما يضع المحافظات الجديدة على خارطة المدن الذكية الرائدة في المنطقة.

مع استمرار تطوير هذه المدن وتوسيع نطاق البنية الرقمية، يتوقع أن تشهد السنوات المقبلة تحولًا جذريًا في طريقة تقديم الخدمات للمواطنين، وتسهيل العمليات الحكومية، وتحسين جودة الحياة في مختلف المحافظات، بما يعكس رؤية مصر نحو رقمنة المدن وتحقيق التنمية المستدامة خارج حدود العاصمة.