الأحد، 14 ديسمبر 2025

03:06 م

الذكاء الاصطناعي يكتشف هشاشة العظام قبل الأعراض بالصور المقطعية القديمة

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي

A A

كشفت دراسة طبية متقدمة عن ثورة حقيقية في تشخيص الأمراض المزمنة، خاصةً مرض هشاشة العظام الذي يشكل عبئًا عالميًا، وتعتمد هذه القفزة النوعية على قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي الهائلة، القادرة على تحليل البيانات الطبية المعقدة للغاية، وتستطيع استخراج معلومات لم يُلتفت إليها.

أصبح التصوير المقطعي المحوسب، والذي كان يُجرى في العادة لتشخيص مشكلات طارئة في البطن أو الصدر، مصدرًا معلوماتيًا ثمينًا للطب الوقائي، فلم تعد هذه الصور مجرد لقطات أرشيفية مهملة، بل تحولت إلى كنز من البيانات الصحية غير المستغلة.

ظلت هذه الفحوص لسنوات طويلة بعيدة عن الاستخدام المباشر والروتيني في تشخيص ضعف العظام، وهي اليوم تعود إلى الواجهة بقوة، بفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي المُدرّبة على أدق التفاصيل، وهذا يغير قواعد اللعبة التشخيصية.

باتت الخوارزميات تتمتع بالقدرة الفائقة على قراءة الإشارات الدقيقة التي تعجز العين البشرية عن تمييزها خلال الفحص الروتيني للصور، وهذا التطور يفتح آفاقًا غير محدودة للكشف الاستباقي عن المرض، وبدء العلاج مبكراً جداً.

أجرى فريق بحثي متخصص في مركز لانجون هيلث بجامعة نيويورك دراسة واسعة النطاق وغير مسبوقة، تركزت على إعادة تحليل كميات ضخمة جداً من الفحوص المقطعية المؤرشفة، وذلك للكشف عن الإشارات الصحية المخفية.

شملت عملية إعادة القراءة والتحليل الآلي أكثر من 538 ألف فحص مقطعي من سجلات المركز، تعود هذه الفحوص إلى ما يقارب 283 ألف مريض، مما يمثل عينة بحثية ضخمة وموثوقة جداً لتعميم النتائج.

استخدم الباحثون في الدراسة نموذجًا متقدمًا من الذكاء الاصطناعي المعرفي، تم تدريبه بشكل خاص لقراءة وتحليل صور الفقرات الصدرية والقطنية في العمود الفقري، وهي مناطق حيوية لتقييم قوة العظام.

فاجأ النموذج الآلي الباحثين بقدرته المذهلة على التقاط علامات مبكرة جداً لضعف العظام في صور، لم يكن الهدف الأساسي من التقاطها هو فحص هشاشة العظام على الإطلاق، وهذا يثبت كفاءة التقنية.

قراءة السجلات

توصلت النتائج إلى أن الفحص الذي ربما أجراه المريض قبل عام أو عامين لأسباب أخرى، يمكن أن يحمل تنبيهًا مبكرًا للمرض لم يُكتشف سابقاً، وهذا يرفع من قيمة الأرشيف الطبي بشكل كبير جداً.

تعد هذه الفكرة تحولاً فلسفياً يقلب المفهوم التقليدي للتشخيص الذي يعتمد على الحاضر، حيث لم تعد الصورة الطبية وثيقة تلتقط لمرة واحدة وتنسى، بل أصبحت ملفًا صحيًا حيًا ومتجددًا باستمرار.

يمكن الرجوع إلى هذا الملف الحي ومراجعته آلياً مرارًا وتكرارًا، كلما تطورت أدوات التحليل الآلي ونماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة، وهذا يضاعف من قيمة الصورة الطبية.

أشارت بيانات الباحثين إلى أن نسبة كبيرة من المصابين بهشاشة العظام لاحقًا، كانت لديهم دلائل وعلامات واضحة في فحوصهم القديمة، لكنها مرت مرور الكرام دون أن يلاحظها الأطباء.

مرت هذه العلامات دون ملاحظة، ليس إهمالاً من الأطباء البشريين أصحاب الخبرة، بل لأن البشر يواجهون صعوبة شديدة في مراجعة آلاف الطبقات الصورية بنفس دقة وقدرة الخوارزميات المتطورة.

يشرح البروفيسور مايكل ريخت، وهو رئيس قسم الأشعة بالمركز، أن هذه التقنية الجديدة تغير جذريًا طريقة التعامل مع السجلات الطبية للمرضى بشكل عام، وتتيح مستويات أعلى من الخدمة، ويؤكد أهميتها.

يؤكد البروفيسور ريخت أن الهدف الآن ليس فقط الكشف عن هشاشة العظام في اللحظة الراهنة، بل أصبح هو إعادة قراءة التاريخ الصحي للمريض بالكامل من خلال أرشيفه المصور.

بات كل فحص مقطعي قديم مخزن في النظام، يمثل فرصة ثمينة لإنقاذ صحة شخص ما من خطر الكسر، دون الحاجة إلى إجراء فحوص جديدة إضافية، أو تحمل نفقات مالية زائدة.

إنذار مبكر

تكتسب الدراسة أهمية بالغة للمنطقة العربية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن امرأة من كل ثلاث نساء فوق الخمسين ورجلاً من كل خمسة رجال يصابون بهشاشة العظام، وهذا يتطلب إجراءات وقائية.

تكمن الخطورة في أن غالبية الحالات لا يتم تشخيصها إلا بعد التعرض للكسر الأول، وعندها يكون التدخل العلاجي متأخرًا ومكلفًا جدًا على المريض والنظام الصحي، وهذا يمثل تحدياً كبيراً.

لذلك، لو تمكنت أنظمة الرعاية الصحية من إعادة تحليل الفحوص المؤرشفة، فقد يحصل المريض على رسالة تحذيرية مبكرة: «عظامك تضعف، تدخّل الآن قبل فوات الأوان وقبل حدوث الألم».

تُمَهّد هذه التجربة الرائدة لبداية عصر جديد في الطب الحديث، حيث تصبح عمليات المسح الآلي للفحوص قاعدة أساسية للرعاية الوقائية، وتدعم صحة المجتمع بأكمله.

تتضمن هذه المرحلة المستقبلية إمكانية إعادة فحص صور الأشعة السينية، والرنين المغناطيسي، والسونار، والتصوير المقطعي، بشكل آلي ومنتظم كل عام، وهذا يضمن متابعة مستمرة.

يُبحث في هذا الفحص الآلي المتكرر عن أي علامات مبكرة للأمراض الخطيرة، مثل السرطان، أو أمراض القلب والأوعية الدموية، وكذلك هشاشة العظام، وأمراض الأعصاب التنكسية، وهذا يحقق الوقاية.

عصر جديد

يبقى التحدي الأخلاقي والتطبيقي مطروحًا بقوة أمام القطاع الطبي العالمي، وهو يتمثل في كيفية تعامله مع هذا التغيير الجذري السريع، وكيفية دمج هذه التقنية ضمن سير عمله التقليدي.

يكشف الذكاء الاصطناعي بذكائه الفائق عن الدلائل والمعلومات الهامة التي تختزنها الصور الطبية القديمة عن الأمراض، وفي الوقت نفسه يفضح محدودية الأنظمة التقليدية الحالية.

تتمثل محدودية الأنظمة التقليدية في عدم قدرتها على الاستفادة من الثروة المعلوماتية الهائلة المخبأة داخل أرشيفها الطبي، وهذا هو التحدي الذي يجب التغلب عليه.

تعيد هذه التقنية المبتكرة تعريف العلاقة بين الطبيب والصورة بشكل كامل، حيث لم تعد الصورة وثيقة عابرة تُنسى، بل أصبحت ذاكرة صحية دائمة ومتجددة، تُقرأ باستمرار.

يجب أن تُقرأ هذه الذاكرة وتحلل بدقة لتمنح المرضى مستقبلاً أكثر أمانًا وراحة، وتوفر لهم فرصة للتدخل العلاجي في الوقت المثالي، وهذا هو الهدف النهائي.

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً