الثلاثاء، 23 ديسمبر 2025

06:38 م

مصر تعزز ريادتها الرقمية بصادرات برمجيات تبلغ 7.4 مليار دولار

خدمات التعهيد

خدمات التعهيد

ياسين عبد العزيز

A A

سجلت صادرات مصر من تكنولوجيا المعلومات طفرة تاريخية غير مسبوقة، حيث تجاوزت قيمة الخدمات الرقمية المصدرة حاجز السبعة مليارات وأربعمائة مليون دولار، مدفوعة بنمو استثنائي تراوح بين عشرين وخمسة وعشرين بالمائة خلال الأعوام القليلة الماضية، مما يعكس تحول العقل المصري إلى ركيزة أساسية في بناء الاقتصاد الرقمي العالمي الجديد والمستدام.

تستقطب الكوادر البشرية المصرية اهتماماً واسعاً من الأسواق الأوروبية والخليجية، بفضل المهارات العالية التي يتمتع بها مهندسو البرمجيات والمطورون في القاهرة، وهو ما دفع الدولة لتبني استراتيجية طموحة تهدف لرفع سقف الصادرات إلى تسعة مليارات دولار قريباً، من خلال التركيز على تصدير المعرفة والخبرات التقنية العميقة عوضاً عن المنتجات الملموسة والأجهزة التقليدية.

تعتمد كبرى الشركات العالمية مثل "مايكروسوفت" و"أوراكل" على فرق تطوير مصرية، لتنفيذ مشروعات إقليمية ودولية معقدة بفضل انخفاض تكلفة التشغيل والجودة العالية، حيث توفر مصر بيئة استثمارية خصبة تتيح للشركات توفير قرابة أربعين بالمائة من نفقاتها، مقارنة بالأسواق في أوروبا الغربية، مما يرسخ مكانة البلاد كمركز إقليمي رائد ومنافس في قطاع البرمجيات المتقدمة.

حلول برمجية

تقود شركات وطنية عملاقة مثل "Raya" و"ITWorx" قاطرة النمو البرمجي في البلاد، عبر تصدير حلول تقنية متكاملة لعملاء في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم، وتتنوع هذه الخدمات بين تطوير الأنظمة المعقدة وبناء المنصات الرقمية وتأمين البيانات، مما يساهم في تدفق العملات الصعبة إلى الخزانة العامة للدولة، ويعزز من الثقة العالمية في المنتج التكنولوجي الذي يحمل شعار "صنع في مصر".

يعكس هذا التوجه رهان الدولة الواضح على الاستثمار في المهارات البشرية، كونه المصدر الأكثر استدامة للنمو الاقتصادي في ظل المنافسة العالمية الشرسة على الكفاءات، حيث يتم تدريب آلاف الشباب سنوياً على أحدث لغات البرمجة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، لضمان استمرارية تفوق مصر في تصدير الخدمات الرقمية، ومواكبة المتطلبات المتغيرة للسوق الدولية التي لا تتوقف عن التطور والابتكار.

تساهم هذه الصادرات في إعادة رسم خريطة الاقتصاد القومي المصري بشكل جذري، حيث لم يعد الاعتماد كلياً على القطاعات التقليدية بل أصبح قطاع التكنولوجيا شريكاً استراتيجياً، ويظهر ذلك بوضوح في زيادة عدد الشركات الناشئة التي تنجح في جذب استثمارات دولية، مما يدفع عجلة التحول الرقمي الشامل ويخلق فرص عمل متميزة للشباب في مجالات تكنولوجية متطورة ومرموقة.

خدمات التعهيد

تضم مصر حالياً أكثر من مائة وثمانين مركزاً متخصصاً في خدمات التعهيد والدعم الفني، تخدم قاعدة عملاء ضخمة تمتد من أمريكا الشمالية إلى آسيا وأوروبا، وتدير شركات دولية مثل "Concentrix" و"Teleperformance" مراكز عملياتها الكبرى من داخل المدن المصرية، مستفيدة من تعدد اللغات لدى الشباب المصري وقدرتهم على تقديم دعم فني رفيع المستوى لثقافات وجنسيات مختلفة ومتنوعة.

يعمل آلاف الخريجين في هذه المراكز لتقديم خدمات تقنية وإدارية بلغات عالمية شتى، مما يدر تدفقات نقدية دولارية مستمرة ومستقرة تدعم استقرار الميزان التجاري المصري، ويؤكد قدرة العمالة المصرية على التكيف مع معايير الجودة العالمية في قطاع التعهيد، الذي أصبح يمثل العمود الفقرى لصادرات الخدمات الرقمية والتقنية التي تسعى الحكومة المصرية لتعظيم عوائدها الاقتصادية والاجتماعية.

تتوسع هذه المراكز لتشمل محافظات الجيزة والقاهرة وبعض المدن التكنولوجية الجديدة، مما يساهم في توزيع مكاسب التنمية الرقمية على نطاق جغرافي أوسع، ويقلل من نسب البطالة بين أوساط خريجي الكليات التقنية واللغات، حيث توفر هذه المراكز بيئة عمل احترافية تضاهي المعايير الدولية، وتساعد الشباب على اكتساب خبرات عالمية وهم في وطنهم وبين ذويهم وأسرهم.

نمو مستدام

تستهدف الخطط الحكومية تحويل مصر إلى الوجهة الأولى في أفريقيا والشرق الأوسط، لتصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بحلول عام ألفين وسبعة وعشرين، ويجري العمل حالياً على تحسين البنية التحتية الرقمية وتوسيع نطاق الحوافز الضريبية للشركات المصدرة، لضمان استدامة معدلات النمو المرتفعة وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في قطاعات البرمجة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.

يؤكد هذا التطور أن الدولة المصرية تسير بخطى ثابتة نحو اقتصاد قائم على المعرفة، حيث يتم توظيف الموارد التعليمية والتدريبية لخلق جيل من المبتكرين الرقميين، القادرين على المنافسة في المحافل الدولية وقيادة مشروعات التحول الرقمي الكبرى، وهو ما ينعكس إيجابياً على سمعة مصر التقنية، ويجعلها مقصداً عالمياً لكل الشركات الباحثة عن التميز والابتكار في خدمات البرمجيات والتعهيد.

يختتم قطاع الاتصالات عام 2025 بأداء استثنائي يبشر بمستقبل واعد، حيث تظهر البيانات أن الاستثمار في العقول هو الاستثمار الرابح والأكثر أماناً لمستقبل الأجيال القادمة، ومع استمرار وتيرة العمل الحالية، فإن مصر مرشحة بقوة لتكون ضمن نادي الكبار في تصدير التكنولوجيا، وهو ما يعزز من مكانتها السياسية والاقتصادية على الساحتين الإقليمية والدولية وبشكل ملموس وحقيقي.

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً