الأربعاء، 31 ديسمبر 2025

02:00 م

صراع الجبابرة على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي العالمية

مراكز البيانات

مراكز البيانات

ياسين عبد العزيز

A A

تتصدر تصريحات سام ألتمان المشهد التقني العالمي بوصفه لخطط شركته بأنها الإمبراطورية الرومانية الحقيقية لهذا العصر، حيث لا تهدف OpenAI لفرض نفوذها عبر الجيوش أو السيطرة على الأراضي الزراعية كما فعل الرومان قديماً، بل تسعى جاهدة لبناء شبكة معقدة وضخمة من مراكز البيانات التي باتت تمثل العمود الفقري للحضارة الرقمية الحديثة.

يعتقد قادة التكنولوجيا العمالقة مثل جنسن هوانغ وساتيا ناديلا أن مستقبل الاقتصاد العالمي برمته بات يرتكز على قوة الحوسبة، ويرون أن مراكز البيانات هي المصانع الجديدة التي ستنتج المعرفة والابتكار في شتى المجالات الحيوية، مما يجعل من امتلاك هذه البنية التحتية ضرورة استراتيجية لا تقل أهمية عن امتلاك موارد الطاقة التقليدية في القرن الماضي.

تجاوزت موجة الذكاء الاصطناعي التوليدي الحالية كل التوقعات السابقة المتعلقة بالحجم والاستثمارات المالية في قطاع الحوسبة السحابية، حيث انتقل العالم من الحواسيب المركزية البسيطة ومراكز الإنترنت التقليدية إلى عصر الحوسبة الفائقة، ومدفوعة بالحاجة الماسة لرقاقات معالجة أسرع وأكثر كفاءة لتشغيل النماذج اللغوية الضخمة التي نراها اليوم.

عتاد ضخم

تستثمر شركات OpenAI ومايكروسوفت مئات المليارات من الدولارات في صفقات تاريخية تهدف لتعزيز قدراتها التقنية والبنية التحتية، ويبرز مشروع Stargate كأحد أضخم مشاريع الحوسبة الفائقة في تاريخ الولايات المتحدة والعالم، مع ميزانية تقديرية ضخمة تتراوح ما بين 100 و 500 مليار دولار سيتم ضخها خلال السنوات القليلة المقبلة بانتظام.

أعلنت مايكروسوفت في مطلع عام 2025 عن خطط طموحة لاستثمار 80 مليار دولار في بناء مراكز بيانات متخصصة، وتزامن ذلك مع إعلان إنفيديا في شهر سبتمبر عن نيتها استثمار 100 مليار دولار في OpenAI، ضمن ترتيبات تكنولوجية تضمن استخداماً واسعاً لمعالجاتها الرائدة، وهو ما يعكس حجم التداخل المالي والتقني بين هذه الكيانات العملاقة.

يثير هذا الإنفاق الهائل تساؤلات مشروعة حول مخاطر تضخم الاستثمارات في قطاع قد يواجه تحديات تقنية أو اقتصادية غير متوقعة، ومع ذلك تواصل الشركات الكبرى سباق التسلح الرقمي خوفاً من التخلف عن ركب الثورة الصناعية الرابعة، حيث أصبحت مراكز البيانات هي المعيار الحقيقي لقياس القوة والنفوذ في الساحة الدولية المعاصرة.

ضريبة النمو

تستهلك مراكز البيانات العملاقة كميات هائلة من الطاقة والمياه لتبريد آلاف المعالجات التي تعمل على مدار الساعة دون توقف، مما يزيد من الضغوط المحلية على شبكات الكهرباء وموارد المياه الطبيعية في المدن المجاورة، وتشير التقديرات الحديثة إلى أن استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة سيتخطى استهلاك تعدين العملات المشفرة بنهاية العام الحالي.

يشتكي السكان في مناطق حيوية مثل ولاية لويزيانا من تدهور الخدمات العامة وانخفاض منسوب المياه الجوفية بسبب هذه المنشآت، كما ارتفعت حوادث السير بشكل ملحوظ قرب مواقع التشييد الضخمة التابعة لشركة ميتا، وهذا الوجه الخفي للتقدم التقني يطرح تحديات بيئية واجتماعية تتطلب حلولاً ابتكارية عاجلة لمواكبة طموحات الشركات التكنولوجية الكبرى.

تؤكد ليزا سو الرئيسة التنفيذية لشركة AMD أن الحديث عن المبالغة في الإنفاق لا يعكس الواقع الحقيقي للطلب المتزايد، حيث ترى أن الإقبال الواسع على تقنيات الذكاء الاصطناعي يبرر هذه الميزانيات المليارية الضخمة، وتعتبر أننا ما زلنا في بداية الطريق نحو تحول رقمي شامل سيغير وجه البشرية وطريقة عيشنا وعملنا اليومي بشكل كامل.

مستقبل غامض

يحذر المحللون الماليون من الاعتماد المفرط على توقعات قد لا تتحقق بالسرعة المطلوبة في ظل استنزاف الموارد الطبيعية، ويتساءلون بجدية عن قدرة الكوكب على تحمل هذا التوسع العمراني والتقني الهائل وتأثيره المحتمل على سوق العمل العالمي، فبينما يبدو الذكاء الاصطناعي واقعاً حتمياً، إلا أن استدامته تظل رهينة التوازن بين الابتكار والحفاظ على البيئة.

يُثبت التاريخ البشري الطويل أن أعظم القوى والإمبراطوريات التي حكمت العالم لم تدم إلى الأبد مهما بلغت قوتها، وهو ما يطرح تساؤلاً جوهرياً حول مصير إمبراطورية البيانات التي تبنى اليوم بمليارات الدولارات، فهل ستنجح في الصمود أمام التحديات البيئية والاقتصادية؟ أم أنها ستكون مجرد حقبة عابرة في تاريخ التطور التكنولوجي المستمر للبشرية.

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً