دراسة علمية تكشف قدرة الذكاء الاصطناعي على رصد مؤشرات الاكتئاب المبكر عبر تعابير الوجه الدقيقة

أظهرت دراسة حديثة أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تصبح أداة فعالة للكشف المبكر عن مؤشرات الاكتئاب، من خلال تحليل التغييرات الطفيفة في ملامح الوجه أثناء حديث الأفراد، وهو ما يمثل نقلة نوعية في أساليب التشخيص المبكر لمشكلات الصحة النفسية التي غالبًا ما يصعب التعرف عليها في مراحلها الأولى. 

الدراسة التي أُجريت في جامعة واسيدا اليابانية كشفت أن الذكاء الاصطناعي قادر على رصد حركات محددة للعينين والفم ترتبط بدرجات الاكتئاب، الأمر الذي يمهد الطريق لاعتماد هذه التكنولوجيا في فحوصات ميسورة التكلفة داخل المدارس وأماكن العمل ومنصات الصحة الرقمية.

تفاصيل الدراسة

يُعتبر الاكتئاب من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا حول العالم، إلا أن علاماته الأولية كثيرًا ما يتجاهلها المصابون أو لا تنطبق على معايير التشخيص السريري، إذ تُعرف هذه المرحلة بالاكتئاب الطفيف أو الاكتئاب دون العتبة. 

ورغم أن هذا الشكل من الاكتئاب لا يؤثر بنحو ملحوظ على الأداء اليومي، إلا أنه يمثل عامل خطر لتطور الحالة إلى اكتئاب كامل ما لم يتم التدخل مبكرًا عبر أساليب غير دوائية كالعلاج النفسي.

في هذا السياق، قادت الأستاذة المشاركة "إيريكو سوغيموري" بالتعاون مع طالبة الدكتوراه "مايو ياماغوتشي" من جامعة واسيدا، دراسة ميدانية على طلاب جامعيين يابانيين لرصد التغيرات في التعابير الوجهية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد نُشرت نتائجها في مجلة "ساينتيفيك ريبورتس" بتاريخ 21 أغسطس 2025.

منهجية البحث

اعتمدت التجربة على تسجيل مقاطع قصيرة لـ 64 طالبًا يقدمون أنفسهم أمام الكاميرا، ثم عرضت هذه المقاطع على 63 طالبًا آخرين لتقييم طبيعة المتحدثين ودرجة وديتهم. 

وبالتوازي، قام فريق البحث باستخدام برنامج "OpenFace 2.0"، وهو نظام ذكاء اصطناعي متخصص في تتبع حركات عضلات الوجه الدقيقة، لتحليل المقاطع ذاتها ورصد مؤشرات غير ملحوظة للعين البشرية.

أظهرت النتائج أن الطلاب الذين أبلغوا عن أعراض مبكرة للاكتئاب قُيّموا بأنهم أقل ودية وبوجوه أقل تعبيرًا، على الرغم من أنهم لم يبدوا متوترين أو متصنعين، هذه الملاحظات أكدت أن الاكتئاب الطفيف لا يجعل الأشخاص يظهرون بمظهر سلبي واضح، بل يقلل من تعابير الوجه الإيجابية التي تُترجم عادة إلى إشارات ودية واجتماعية.

نتائج دقيقة

كشف التحليل الآلي عن وجود أنماط محددة في حركات العين والفم لدى المصابين بالاكتئاب الطفيف، مثل رفع الحاجب بطريقة غير مألوفة، وشد الشفاه، ورفع الجفن العلوي بشكل متكرر، إضافة إلى أنماط في فتح الفم أثناء الكلام، هذه المؤشرات الدقيقة يصعب على المراقبين غير المتخصصين ملاحظتها، لكنها تعكس إشارات مبكرة على وجود اضطراب نفسي محتمل.

وأكدت الباحثة "سوغيموري" أن النهج الجديد، الذي يجمع بين مقاطع فيديو تعريفية قصيرة والتحليل المؤتمت للتعابير الوجهية، يمكن أن يفتح الباب أمام طرق مبتكرة لمتابعة الحالة النفسية للأفراد في المؤسسات التعليمية والعملية، إضافة إلى إمكانية دمجه ضمن منصات الصحة الرقمية لرصد المؤشرات النفسية بشكل مستمر وفعال.

وترى الباحثة أن هذه التقنية توفر وسيلة غير جراحية وبكلفة منخفضة للكشف المبكر عن الاكتئاب، بما يتيح التدخل العلاجي المناسب قبل أن تتطور الحالة إلى مراحل متقدمة، مما قد يسهم في تحسين الرعاية النفسية والحد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية للاكتئاب في المستقبل.