الإثنين، 03 نوفمبر 2025

11:56 م

عصر متصفحات الذكاء الاصطناعي بين ثورة الابتكار وتصاعد الهواجس الأمنية المتفاقمة

متصفحات الذكاء الاصطناعي

متصفحات الذكاء الاصطناعي

A A

في ظل التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، دخلت متصفحات الإنترنت مرحلة جديدة من التحول الجذري، إذ لم تعد مجرد أدوات لتصفح المواقع أو البحث عن المعلومات، بل باتت منصات ذكية تتفاعل مع المستخدم وتتعلم من سلوكياته لتقدم له تجربة تصفح أكثر خصوصية وسرعة. 

هذا التحول الذي تصفه بعض التقارير بـ«ثورة الذكاء الاصطناعي على الويب»، حمل معه طموحات واسعة وفرصًا غير مسبوقة، لكنه في الوقت نفسه فتح الباب أمام تهديدات أمنية متزايدة تثير قلق الخبراء حول مستقبل الخصوصية الرقمية.

سباق السيطرة

بدأت كبرى شركات التكنولوجيا سباقًا محمومًا للهيمنة على بوابة الإنترنت الجديدة التي باتت تعرف باسم «متصفحات الذكاء الاصطناعي»، ففي الأسابيع الأخيرة، أعلنت OpenAI عن إطلاق متصفحها المبتكر ChatGPT Atlas، فيما سارعت مايكروسوفت إلى تعزيز متصفح Edge بوضع جديد تحت اسم «المساعد الذكي» الذي يعتمد على تقنيات تعلم الآلة لتخصيص تجربة التصفح. 

هذه التحركات ليست معزولة، إذ انضمت إليها شركات أخرى مثل جوجل التي دمجت نموذجها Gemini مباشرة داخل متصفح كروم، إلى جانب شركة أوبرا التي طرحت متصفحها الجديد Neon بتجربة تفاعلية متكاملة.

ولم تتوقف المنافسة عند الشركات العملاقة فقط، بل امتدت إلى الشركات الناشئة مثل Perplexity التي قدمت متصفحها الطموح Comet، فضلًا عن مبادرات جديدة من شركات ناشئة أخرى تسعى إلى دخول هذا المجال سريع التطور، جميع هذه المشاريع تشترك في هدف واحد هو جعل المتصفح منصة ذكية قادرة على الفهم والاستجابة، لا مجرد أداة تنفيذية للبحث أو التصفح.

ثغرات خطيرة

لكن مع هذه الطفرة التكنولوجية برزت أيضًا مخاطر غير مسبوقة، فقد كشف باحثون في الأمن السيبراني مؤخرًا عن ثغرات أمنية خطيرة في متصفح ChatGPT Atlas تُمكّن المهاجمين من استغلال ذاكرة النموذج الداخلية لحقن أكواد خبيثة تمنحهم صلاحيات موسعة، بل وتمكنهم من نشر برمجيات ضارة دون علم المستخدم. 

ولم يكن متصفح Comet بعيدًا عن هذه التحديات، إذ رُصدت فيه مشكلات مشابهة تسمح للمخترقين بالتلاعب بالنظام من خلال ما يُعرف بهجمات «حقن الأوامر».

وأقرّ كل من دان ستوكي، كبير مسؤولي أمن المعلومات في OpenAI، وشركة Perplexity نفسها، بخطورة هذه الهجمات مؤكدين أنها تمثل تهديدًا فعليًا يصعب احتواؤه بالكامل حتى الآن. 

وتكمن خطورة هجمات «حقن الأوامر» في قدرتها على تمرير تعليمات ضارة داخل محتوى يبدو طبيعيًا — كصفحات ويب أو ملفات PDF أو صور — لتجبر النماذج الذكية على تنفيذ أوامر لم يُقصد تنفيذها أصلًا، مما يفتح الباب أمام تسريب البيانات أو اختراق الأجهزة.

خصوصية مهددة

يرى خبراء الأمن السيبراني أن أخطر ما في متصفحات الذكاء الاصطناعي هو قدرتها الواسعة على جمع وتحليل البيانات الشخصية، إذ تتتبع هذه المتصفحات نشاط المستخدم على الإنترنت بشكل شامل، بدءًا من عمليات البحث والمحادثات، وصولًا إلى التفاعلات مع المساعد الذكي، لتكوين ملفات تعريف دقيقة يمكن استغلالها لأغراض تسويقية أو حتى استخباراتية. 

ويُحذر الباحثون من أن اندفاع الشركات نحو إطلاق مزايا جديدة دون مراجعة أمنية متأنية قد يؤدي إلى كوارث رقمية، خصوصًا مع وجود ثغرات في إضافات المتصفحات التي قد تُستخدم كوسيلة لاختراق الأنظمة.

وكلاء أذكياء

ويُعتبر ما يُعرف بـ«وكلاء الذكاء الاصطناعي» أحد أبرز التحديات الجديدة في هذا المجال، إذ تعمل هذه الأنظمة كوكلاء افتراضيين يتصرفون نيابة عن المستخدم في تنفيذ الأوامر، ما يجعلهم أكثر عرضة للتضليل عبر تعليمات خفية أو رموز مضمّنة داخل النصوص أو الصور. 

ومع غياب الحس البشري لدى هذه الأنظمة، يمكن استغلالها بسهولة لتنفيذ أوامر ضارة دون إدراكها لطبيعة المخاطر.

ويشير الخبراء إلى أن الاعتماد الكامل على هذه الوكلاء قد يُضاعف احتمالية تسرب البيانات الحساسة أو الوصول غير المصرح به إلى الحسابات الشخصية، داعين المستخدمين إلى تفعيل وضع «التصفح دون ذكاء اصطناعي» بشكل افتراضي، واستخدام أدوات الذكاء فقط عند الضرورة القصوى. 

كما يشددون على أهمية الاقتصار في الوقت الراهن على المواقع الموثوقة وتجنّب إدخال البيانات الحساسة في أثناء التفاعل مع هذه المتصفحات الذكية.

وفي مفارقة لافتة، يرى بعض المحللين أن تجنّب استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل هذه المتصفحات الجديدة يجعلها تفقد الميزة التي جاءت من أجلها، ما يعكس التعقيد الكبير الذي يواجهه المستخدمون بين الرغبة في التطور والخوف من فقدان الخصوصية. 

وبينما يتواصل السباق بين الشركات لتعزيز الذكاء في متصفحاتها، يبدو أن العالم يقف على أعتاب مرحلة جديدة توازن فيها التكنولوجيا بين الإبداع والمخاطر في آنٍ واحد.

Short URL
استطلاع رأى

هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟

  • نعم

  • لا

  • غير مهتم

search

أكثر الكلمات انتشاراً