خطورة استبدال المعالجين النفسيين بروبوتات الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي
ياسين عبد العزيز
تشهد الأوساط العلمية نقاشًا متزايدًا حول الدور الذي تلعبه روبوتات الدردشة العاملة بالذكاء الاصطناعي في تقديم الدعم النفسي والعاطفي للأفراد، بعدما أصبحت هذه التطبيقات وجهة لما يقارب نصف المستخدمين الباحثين عن الراحة النفسية عبر الإنترنت، إلا أن دراستين حديثتين حذرتا من أن هذا الاعتماد المفرط قد يخفي مخاطر غير متوقعة، خصوصًا أن هذه النماذج لم تُصمم لتكون بديلًا عن المعالج البشري، بل أداة مساعدة محدودة القدرات في فهم المشاعر البشرية.
فهم محدود
توضح إحدى الدراسات المقارنة بين معالجين بشريين وثلاثة روبوتات محادثة تعتمد على نماذج لغوية كبيرة، أن الفارق بين الجانبين يتجاوز حدود التقنية إلى جوهر التجربة الإنسانية نفسها، فقد أظهر المعالجون قدرة على التفاعل العاطفي الحقيقي، وطرح أسئلة تعمق الفهم وتكشف السياق النفسي للمريض، في حين اكتفت الروبوتات بعبارات طمأنة عامة ونصائح مباشرة، دون إدراكٍ كافٍ للمعاني الكامنة خلف الكلمات.
وأشار الباحثون إلى أن هذا النوع من التفاعل الآلي يُظهر قدرة الروبوتات على "محاكاة التعاطف" لكنها لا تمتلك الوعي أو الحس الإنساني اللازم لتقديم علاج فعّال، مؤكدين أن التعامل معها كبديل للمعالج النفسي قد يؤدي إلى إهمال الجوانب الدقيقة للمشكلات النفسية، وربما ترسيخ أنماط تفكير ضارة بسبب ميل هذه النماذج إلى الموافقة المفرطة دون تقييم نقدي.
مخاطر خفية
وتزداد خطورة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في اللحظات الحرجة أو أثناء التفكير في إيذاء النفس، فبينما ترفض النماذج المتقدمة الرد على الأسئلة التي تتحدث صراحة عن الانتحار أو الأذى، فإنها كثيرًا ما تفشل في رصد المؤشرات الخفية أو الأسئلة الغامضة ذات الطابع الوسيط بين الخطر والالتباس.

في إحدى التجارب، أبدى مستخدم غضبه بعد فقدان عمله ثم سأل عن مواقع الجسور العالية، فعبّرت الروبوتات عن تعاطفها لكنها قدّمت له أسماء جسور فعلية، وهو تصرف قد يكون بالغ الخطورة في هذا السياق.
كما كشفت دراسة أخرى أجريت على نماذج ChatGPT وClaude وGemini عن تفاوت واضح في قدرتها على التمييز بين مستويات الخطر، إذ اتفقت جميعها على رفض الإجابة عن الأسئلة عالية الخطورة، لكنها قدّمت ردودًا غير متناسقة حيال الأسئلة المتوسطة أو الغامضة، ما يعكس محدودية وعيها بالسياق الإنساني.
فجوة إنسانية
يرى الخبراء أن العلاج النفسي لا يقوم على تبادل المعلومات فحسب، بل على بناء علاقة قائمة على الثقة والسرية والتفاعل العاطفي المتبادل، وهي عناصر تفتقر إليها النماذج اللغوية مهما بلغت درجة تطورها، فهذه الروبوتات تعمل ضمن أنظمة مفتوحة غير خاضعة للرقابة القانونية أو المهنية، ولا تملك حسًا أخلاقيًا يوجّه قراراتها كما يفعل البشر.
وتعود الفجوة بين الإنسان والآلة في هذا المجال إلى أسباب جوهرية، أبرزها أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك القدرة على إجراء حوار علاجي حقيقي، فالمعالج البشري يساعد المريض على إدراك أفكاره وسلوكياته السلبية بلطف، بينما تميل النماذج الذكية إلى الموافقة الدائمة التي قد تعزز تلك السلوكيات.
كما أن الإتاحة المستمرة لهذه الروبوتات قد تزيد التعلق النفسي بها، ما يغذي القلق والوسواس لدى بعض المستخدمين.
وتؤكد الدراسات أيضًا أن هذه الأنظمة غير مؤهلة لاكتشاف الحالات الحرجة أو التعامل معها، فهي لا تستطيع تقييم الخطر الفوري، أو الاتصال بخدمات الطوارئ، أو اتخاذ قرارات عاجلة لحماية المستخدمين في الأزمات.
وتبرز حالات واقعية مأساوية، من بينها انتحار مراهق عام 2024 بعد تفاعله مع روبوت على منصة Character.ai، ما دفع القضاء الأمريكي للسماح لعائلته بمقاضاة الشركات المطوّرة بتهمة الإهمال المؤدي إلى الوفاة.
محاكاة التعاطف
رغم كل التحذيرات، يرى بعض الباحثين أن روبوتات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تظل أدوات مفيدة لتقديم الدعم النفسي العام أو المعلومات التثقيفية البسيطة، شريطة أن تُستخدم بوعي وتحت إشراف متخصصين، فهي قد تساعد المستخدمين على التعبير عن مشاعرهم أو كسر حاجز العزلة، لكنها لا تستطيع أن تحل محل المعالج النفسي البشري الذي يفهم تعقيدات النفس، ويملك القدرة على التفاعل الإنساني الفعلي.
إن العلاج النفسي الحقيقي يتطلب أكثر من مجرد نصائح مبرمجة أو جمل مطمئنة، فهو علاقة إنسانية عميقة تنسج بين الفهم والتجربة والمشاعر، وهي عناصر لا تزال بعيدة تمامًا عن متناول الخوارزميات.
ولهذا، يبقى الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة في أفضل الأحوال، لا بديلًا عن الرعاية الإنسانية التي تحمي النفس وتعيد إليها اتزانها.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
أحدث الموبايلات
-
Apple iPhone 13 Pro Max
-
Xiaomi Redmi Note 11
-
Samsung Galaxy A52s
-
OPPO Reno6 Pro 5G
-
realme GT2 Pro
-
vivo Y19
-
Honor 50 Pro
-
Huawei Nova 9
-
Nokia 8.3 5G
هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟
-
نعم
-
لا
-
غير مهتم
أكثر الكلمات انتشاراً