نظام ذكاء اصطناعي جديد يحدث ثورة في تعرّف الكلام البشري آليًا عبر أكثر من 1600 لغة

في خطوة وُصفت بأنها من أكثر إنجازات ميتا طموحًا في مجال الذكاء الاصطناعي، أعلنت الشركة عن إطلاق نظامها الثوري الجديد لتعرّف الكلام آليًا تحت اسم Omnilingual ASR، وهو مشروع مفتوح المصدر قادر على فهم وتحليل أكثر من 1600 لغة في نسخته الأولى، مع إمكانية التوسّع إلى أكثر من 5400 لغة بفضل قدرته على “التعلّم داخل السياق دون تدريب مسبق”، ما يجعله إنجازًا فريدًا في عالم التكنولوجيا اللغوية.

إطلاق مفتوح

النظام الجديد لا يُقدّم فقط تطورًا تقنيًا، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا في طريقة تعامل ميتا مع الذكاء الاصطناعي، فالشركة أعلنت أن جميع موارد النظام متاحة مجانًا تحت ترخيص Apache 2.0 المفتوح، ما يسمح للمطورين والباحثين وحتى الشركات التجارية باستخدامه بحرية. 

وتضم الحزمة التي أطلقتها ميتا نماذج لغوية متعددة، ونظام تمثيل صوتي متقدم يضم 7 مليارات مَعلمة، إلى جانب قاعدة بيانات ضخمة تغطي أكثر من 350 لغة نادرة لم يسبق توثيقها بهذه الدقة.

ويدعم النظام مجموعة من النماذج المتقدمة مثل wav2vec 2.0 القادر على التعلّم الذاتي من الأصوات، ونماذج CTC-ASR التي تتيح تفريغ الصوت بسرعة عالية، بالإضافة إلى نماذج LLM-ASR التي تجمع بين التشفير الصوتي والتحويل النصي باستخدام تقنية Transformers المتقدمة. 

أما النموذج الأكثر ابتكارًا فهو ZeroShot-ASR، الذي يستطيع التعرف على لغات جديدة أثناء التشغيل دون الحاجة إلى أي تدريب إضافي.

أداء استثنائي

في الاختبارات الميدانية، أظهر النظام أداءً فائقًا بمعدل خطأ في الحروف يقل عن 10% في أكثر من 78% من اللغات المدعومة، بما في ذلك أكثر من 500 لغة لم يسبق لأي نظام آخر التعامل معها. 

وتوضح ميتا أن الهدف من المشروع ليس فقط تعزيز كفاءة التعرّف الصوتي، بل أيضًا دعم اللغات المهددة بالانقراض ومنحها حضورًا رقميًا يضمن استمراريتها في الفضاء التقني.

ويُتوقع أن يكون Omnilingual ASR أداة مثالية للتطبيقات الصوتية مثل المساعدات الذكية، وأنظمة التعليم عن بُعد، وخدمات التفريغ النصي التلقائي، إضافة إلى دعم إنشاء ترجمات فورية دقيقة للمحتوى الصوتي والفيديوهات.

تحوّل إستراتيجي

يأتي هذا المشروع الطموح بعد عام شهد تغييرات كبيرة داخل ميتا، خاصة بعد الإطلاق المتواضع لنموذج Llama 4 الذي لم يحقق الصدى المتوقع في الأوساط البحثية. 

ونتيجة لذلك، قرر الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج إعادة هيكلة قطاع الذكاء الاصطناعي داخل الشركة، مُعيّنًا الخبير ألكسندر وانغ، مؤسس شركة Scale AI، لقيادة مرحلة جديدة تركز على التطبيقات العملية والمفتوحة المصدر.

وتعكس هذه الخطوة توجه ميتا نحو الابتكار التشاركي بدلًا من الاحتكار التقني، إذ ترى الشركة أن الانفتاح العلمي والشفافية في مشاركة البيانات يسهمان في تسريع التقدم العالمي في مجالات الذكاء الاصطناعي.

شراكات مجتمعية

لم تبنِ ميتا مشروعها الجديد بمعزل عن العالم، بل اعتمدت على تعاون واسع مع مبادرات بحثية ومجتمعية، فقد شاركت مؤسسات مثل African Next Voices المدعومة من مؤسسة بيل ومليندا غيتس، وCommon Voice التابعة لمؤسسة موزيلا، إلى جانب منظمات مثل Lanfrica وNaijaVoices في جمع البيانات الصوتية من متحدثين محليين في أفريقيا وآسيا، وتمت هذه العمليات بمقابل مادي للمشاركين مع التركيز على تسجيل محادثات طبيعية غير مكتوبة، لضمان أن تعكس البيانات الواقع اللغوي والثقافي الحقيقي.

وتشير التقارير إلى أن النموذج الأكبر في الحزمة، والمعروف باسم omniASR_LLM_7B، يحتاج إلى نحو 17 جيجابايت من ذاكرة GPU لتشغيله، بينما يمكن للنماذج الأصغر العمل بسهولة على أجهزة متوسطة الإمكانيات. 

وقد أظهرت التجارب الميدانية أن النظام قادر على العمل بكفاءة عالية حتى في البيئات الصاخبة أو عند التعامل مع لغات منخفضة الموارد.

انفتاح شامل

تتيح ميتا للمطورين الوصول إلى جميع النماذج والبيانات من خلال منصات مثل GitHub وHugging Face، مع واجهات برمجية مبسطة تتيح إدماج النظام في التطبيقات التجارية بسهولة. 

وتفتح هذه الخطوة الباب أمام شركات التعليم، وخدمات العملاء الصوتية، والتقنيات المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، لتطوير حلول متعددة اللغات دون الحاجة إلى تراخيص معقدة أو تكاليف مرتفعة.

ويُعد Omnilingual ASR أكثر من مجرد إنجاز تقني؛ فهو إعلان عن رؤية جديدة لمستقبل الذكاء الاصطناعي اللغوي، رؤية تؤمن بالانفتاح والمشاركة المجتمعية، وتسعى لتمكين جميع اللغات البشرية من الحصول على حضور متكافئ في العصر الرقمي، في مشروع قد يغيّر ملامح تقنيات الصوت عالميًا خلال السنوات القادمة.