عصر الخداع الصوتي يبدأ.. الذكاء الاصطناعي يهدد الثقة البشرية في الاتصالات
الذكاء الاصطناعي
ياسين عبد العزيز
في عالم تتسارع فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي بوتيرة مذهلة، يبدو أن الحدود بين الواقع والتزييف بدأت تتلاشى، خصوصًا في مجال التواصل الصوتي الذي كان حتى وقت قريب عصيًا على المحاكاة الكاملة.
اليوم، باتت مكالمة هاتفية واحدة كفيلة بإحداث فوضى مالية أو تسريب معلومات حساسة، بعدما فتحت النماذج الصوتية المتقدمة الباب أمام جيل جديد من الاحتيال، لا يحتاج سوى بضع دقائق ليصبح مقنعًا كصوت بشري حقيقي.
محادثة واقعية
قبل سنوات قليلة، كان إنشاء نظام ذكاء اصطناعي قادر على إجراء مكالمة هاتفية طبيعية مهمةً شبه مستحيلة، إذ تطلّب الأمر مزيجًا معقدًا من تقنيات التعرّف على الصوت ومعالجة اللغة وتوليد الكلام، تعمل معًا عبر برمجيات اتصال غير مستقرة، إلا أن هذا الواقع تغيّر جذريًا مع ظهور واجهات صوتية متطورة مثل RealTime API من شركة OpenAI، التي أتاحت للمطورين بناء أنظمة محادثة متكاملة تعمل في الزمن الحقيقي، وتستجيب فوريًا لأي سؤال أو تفاعل صوتي بطريقة طبيعية ومقنعة.
ولم يعد الأمر مقتصرًا على المؤسسات الكبرى، فقد أتاح نشر الأكواد المفتوحة إمكانية ربط هذه النماذج بخطوط هاتفية حقيقية، بحيث يستطيع الذكاء الاصطناعي “الاستماع” وتحليل الحديث ثم الرد بصوت اصطناعي أقرب إلى الإنسان من أي وقت مضى، هذه الطفرة التقنية، رغم روعتها، تحوّلت سريعًا إلى أداة خطيرة في يد محترفي الاحتيال.
احتيال ذكي
أصبح ما يُعرف باسم “الاحتيال الصوتي المدعوم بالذكاء الاصطناعي” أو vishing أحد أبرز التهديدات الرقمية في الوقت الراهن، فبفضل النماذج الصوتية الحديثة، لم يعد المجرم بحاجة سوى إلى بضع تعليمات بسيطة لتوليد نظام قادر على تقمّص هوية موظف مصرفي أو مسؤول شركة، والتفاعل مع الضحية بثقة كاملة.
ومع قدرة هذه الأنظمة على التفكير السريع والتكيف مع مجرى الحديث، أصبحت قدرتها على الإقناع هائلة إلى حدّ يصعب معه التمييز بين الإنسان والآلة.

وقد شهد العام الماضي حادثة بارزة حين خُدعت شركة Arup البريطانية وخسرت نحو 25 مليون دولار بعد مكالمة استخدمت فيها تقنية “التزييف العميق للصوت”.
كما تعرّضت شركة Cisco لهجوم مشابه تمكّن خلاله المهاجمون من الحصول على بيانات حساسة من نظام إدارة العملاء السحابي.
هذه الوقائع تؤكد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تطوير، بل صار سلاحًا يمكن استخدامه في جرائم رقمية دقيقة يصعب تتبعها.
أصوات مزيفة
زاد من خطورة هذه الظاهرة انتشار منصات مثل ElevenLabs و Cartesia التي تتيح استنساخ الأصوات بدقة مذهلة، حتى من خلال عيّنات صوتية لا تتجاوز بضع ثوانٍ.
ومع توافر مقاطع صوتية كثيرة للشخصيات العامة عبر الإنترنت، أصبح من السهل على أي شخص إنشاء نسخة مطابقة لصوت سياسي أو مدير تنفيذي دون علمه.
وقد حذّر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) من هذا الخطر بعد تسجيل عدة محاولات للاحتيال استخدمت أصواتًا مزيفة لمسؤولين حكوميين في مكالمات رسمية.
وفي ظل هذه التطورات، تحولت أنظمة التحقق الصوتي التي تعتمد على بصمة المتحدث من وسيلة حماية إلى نقطة ضعف، إذ يمكن استنساخ بصمة صوتية بالكامل، ما يجعل من الضروري اعتماد وسائل تحقق متعددة العوامل، خاصة في المعاملات المالية الحساسة أو إجراءات التوظيف والتوثيق.
وعي رقمي
بالنسبة للمستخدمين العاديين، فإن الدرس الأهم هو أن الصوت لم يعد دليلاً كافيًا على هوية صاحبه، تمامًا كما تعلم الناس الحذر من الروابط المشبوهة في البريد الإلكتروني، يجب اليوم التعامل بحذر مع المكالمات التي تطلب معلومات شخصية أو مالية، وربما يصبح من الضروري قريبًا تطوير تقنيات “العلامات المائية الصوتية” التي تتيح التأكد من أصالة التسجيلات والمكالمات.
العالم يدخل عصرًا جديدًا من “الواقع الصوتي المزيف”، حيث لا يمكن الوثوق حتى بالأصوات التي نعرفها جيدًا، وبينما تستعد الشركات لتوظيف الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة العملاء، يتعين على الحكومات والمستخدمين إدراك الجانب المظلم لهذه الثورة، والعمل على وضع أطر قانونية وأمنية تحد من خطورتها قبل أن تتحول إلى تهديد دائم للثقة البشرية في التواصل.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
أحدث الموبايلات
-
Apple iPhone 13 Pro Max
-
Xiaomi Redmi Note 11
-
Samsung Galaxy A52s
-
OPPO Reno6 Pro 5G
-
realme GT2 Pro
-
vivo Y19
-
Honor 50 Pro
-
Huawei Nova 9
-
Nokia 8.3 5G
هل يتراجع عدد عملاء CIB خلال الفترة المقبلة بعد زيادة أسعار رسوم التحويل والخدمات؟
-
نعم
-
لا
-
غير مهتم
أكثر الكلمات انتشاراً